والمروة؟ فأنزل الله تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية. قال أبو بكر: فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما: في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا بالجاهلية بالصفا والمروة، والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام، من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا، حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت.
متفق عليه: رواه البخاري في الحج (١٦٤٣) ومسلم في الحج (١٢٧٧: ٢٦١ - ٢٦٣) كلاهما من طريق الزهري، قال عروة: فذكره، واللفظ للبخاري.
وأما ما روي أنه لما أنزلت سورة "النجم"، وكان المشركون يقولون: لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه، ولكنه لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم والشر، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم وأحزنته ضلالتهم، فكان يتمنى كف أذاهم، فلما أنزل الله سورة النجم قال: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: ١٩، ٢٠] ألقى الشيطان عندها كلمات حين ذكر الطواغيت فقال: وإنهن لهن الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى، فكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة، وذلَّت بها ألسنتهم، وتباشروا بها، وقالوا: إن محمدا قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه. فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخر النجم سجد وسجد كل من حضر من مسلم أو مشرك، ففشت تلك الكلمة في الناس، وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة، فأنزل الله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[الحج: ٥٢] الآيات، فلما بين الله قضاءه وبرَّأَه من سجع الشيطان انقلب المشركون بضلالتهم وعداوتهم للمسلمين واشتدوا عليه.
فهذه القصة مكذوبة مخترعة، وطرقها كلها معلولة.
٤ - باب قوله: {أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (٢٤)}
أي: ليس الأمر تابعا لأمنية الإنسان، ولا كل من ودَّ شيئا حصل عليه، بل ذلك كله راجع إلى الله عز وجل، فبيده سبحانه الأمر كله، ولذلك ينبغي أن تكون أمنية الإنسان طيبة صالحة، خالية من الشرور والأهواء والمعاصي والآثام.
• عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا تمنى أحدكم فلينظر ما يتمنى، فإنه لا يدري ما يكتب له من أمنيته".
حسن: رواه أحمد (٨٦٨٩) وأبو داود الطيالسي (٢٣٤١) والبخاري في الأدب المفرد (٧٩٤) وأبو يعلى (٥٩٠٧) كلهم من طريق أبي عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة،