وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
يظهر من هذا أن أبي بن كعب كان يُجَزِّئُ هذا الحديث، فيروي مرة جزءا، وأخرى جزءا، فجمعها قبيصة عن سفيان، ورواه غيره مجزءا، وليس فيه شيء منكر وغريب.
وقوله: {يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} أي: أئنا لنحيا بعد موتنا، ونبعث من مكاننا هذا؟ وهي شبهة جميع المشركين والمعاندين، ويرون أنه شيء مستحيل، ولكنهم نسوا قدرة الله تعالى الذي خلقهم من عدم، وإن الخلقة الثانية أهون من الخلقة الأولى.
{الْحَافِرَةِ}: أول الحال وابتداء الأمر، تقول العرب: رجع فلان في حافرته، أي: رجع من حيث جاء.
وقوله: {أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً} أي: بالية.
{قَالُوا} أي: المنكرين {تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} رجعة خائبة، يعني: إن رددنا بعد الموت لنخسرن بما يصيبنا بعد الموت من العذاب.
وقوله: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} أي: على وجه الأرض بعد أن كانوا في جوفها، وذلك بعد النفخة الأخيرة، في قوله: أي: صيحة واحدة، وهو النفخ في الصور.
٢ - باب قوله: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (١٥) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (١٦) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (١٩) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصَى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (٢٢) فَحَشَرَ فَنَادَى (٢٣) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (٢٥)}
عقوبة الآخرة على كلمته، وهي قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} وعقوبة الأولى على كلمته وهي قوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: ٣٨]، فأخذه الله بكلمتيه كلتيهما، فجعل نكال الآخرة العذاب بالنار، وجعل نكال الأولى الغرق في الدنيا، وقدَّم نكال الآخرة لشدتها وخلودها، وأخَّر نكال الأولى لخفتها.
وجرائم فرعون كثيرة، لكن دعواه للربوبية في قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} أشد جرما من غيرها، فإن الله تعالى له الربوبية المطلقة، وهو غني عن الندّ والنظير والشريك، ولا يرضى أن يشرك به، ولا يغفره قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨].
٣ - باب قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (٤٣) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (٤٤) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (٤٦)}
قوله: {مُرْسَاهَا} أي: قيامها مثل قيام العدل وقيام الحق، أي: يسألونك يا محمد، هؤلاء المكذبون بالبعث عن الساعة التي يبعث فيها الموتى من قبورهم، فليس عليك بيان ذلك، وإنما علمها عند الله،