هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الصلح جائز بين المسلمين". قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين، وهو معروف تعبد اللَّه بن الحسين المصيصي ثقة".
كذا في المستدرك المطبوع، والذي ذكره ابن حجر في "لسان الميزان" (٣/ ٢٧٣) في ترجمة عبد اللَّه بن الحسين قول الحاكم: "صحيح تفرّد به عبد اللَّه بن الحسين المصيصي، وهو ثقة". وكذا ذكره الذهبي أيضًا في تلخيصه.
وتعقبه الذهبي، فقال: "قال ابن حبان: "يسرق الحديث".
قلت: كلامه في "المجروحين" (٥٧٥): "سكن المصيصة، يقلب الأخبار، ويسرقها، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد".
والحديث بمجموع هاتين الطريقين يصل إلى درجة الحسن.
وأما ما رواه كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه، عن جده أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا، أو أحل حراما، والمسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما" فهو ضعيف جدا.
رواه الترمذيّ (١٣٥٢)، وابن ماجه (٢٣٥٣)، والدارقطني (٣/ ٢٧)، والحاكم (٤/ ١٠١)، والبيهقي (٦/ ٦٥) كلهم من طريق كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف بإسناده.
قال الترمذيّ: "هذا حديث حسن صحيح". وهو ليس كما قال، بل إسناده ضعيف جدا، فإن كثير بن عبد اللَّه متروك كذاب. قال ابن حبان: يروي عن أبيه عن جده نسخة موضوعة، لا يحل ذكرها في الكتب ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب. ولذا نوقش الترمذيّ في تصحيح هذا الحديث. قال الذهبي في ترجمته في "الميزان" (٣/ ٤٠٧): "فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذيّ".
وله شواهد أخرى عن عائشة، وأنس بن مالك، ورافع بن خديج، وعبد اللَّه بن عمر، وفي كلها مقال. وكثرة هذه الشواهد تدل على أن الحديث له أصلا، وأمثلها حديث أبي هريرة.
وقد روى ابن أبي شيبة في المصنف بإسناده عن عطاء قال: بلغنا أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المؤمنون عند شروطهم".
وهو مرسل صحيح يقوي أصل الحديث، وتلقاه الفقهاء بالقبول، وفرعوا عليه تفريعات.
[٢ - باب استعمال الحكمة في الصلح]
• عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اشترى رجل من رجل عقارا له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني، إنما اشتريت منك الأرض، ولم أبتع منك الذهب. فقال الذي شرى الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها. فتحاكما إلى رجل، فقال الذي