لما هاجر المسلمون إلى أرض الحبشة أرسل مشركو مكة في طلبهم رجلين جلدين، فكلّما النجاشي ليردهم إلى بلادهم، ويسلّموهم إلى أشراف قومهم، فاستفسر النجاشي المسلمين، فأجابه عنهم جعفر بن أبي طالب، وأخبره بما كان عليه حالهم قبل الإسلام، وما صاروا إليه بعد الإسلام، وما فعلته قريش تجاه المسلمين، فطلب النجاشي أن يقرأ عليه شيئا مما جاء بهم نبيهم عن الله، فقرأ عليه سورة مريم.
• عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت في قصة الهجرة إلى الحبشة: فقال النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم. فقال له النجاشي: فاقرأه علي. فقرأ عليه صدرا من {كهيعص} هو قالت: فبكى - والله - النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفه حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبدا ... الحديث.
حسن: رواه الإمام أحمد (٢٢٤٩٨، ١٧٤٠)، والبيهقي في الدلائل (٢/ ٣٠١ - ٣٠٦) كلاهما من حديث محمد بن إسحاق، وهو في سيرة ابن إسحاق (٢٨٢) قال: حدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، عن أم سلمة فذكرته، واللفظ لأحمد.
وإسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق، والحديث مذكور بطوله في كتاب السيرة.
وروى نحوه أيضا ابن مسعود كما ذكرته في السيرة وجاء فيه:"فرفع النجاشي عودا من الأرض، ثم قال: يا معشر الحبشة، والقسيسين، والرهبان، والله ما يزيدون على الذي نقول فيه ما يسوى هذا، مرحبا بكم، وبمن جئتم من عنده، أشهد أنه رسول الله، فإنه الذي نجد في الإنجيل، وإنه الرسول الذي بشر به عيسى ابن مريم".
رواه أحمد (٤٤٠٠) وإسناده حسن.
هذا القول من النجاشي يدل على أنه وقف على إنجيل برناباس الذي حُرِّمَ الاطلاع عليه، فإنه لا يبعد أن يطلع عليه النجاشي؛ لأنه كان ملكا من ملوكهم، ومن ثم عرف أن هذا النبي هو الذي بشّر به عيسى عليه السلام. انظر الكلام المفصل في كتابي:"اليهودية والمسيحية وأديان الهند".