وفاتها سُدّت أبواب الحجرة، وفي إحدى الليالي الممطرة سقط جدار الحجرة النبوية، ففزع لذلك عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - وأمر ببناء الجدار، فأخذوا في بنائه فبدتْ لهم قدَمٌ، ففزعوا، وظنُّوا أنها قدمُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فما وجدوا أحدًا يعلم ذلك، حتى قال لهم عروة: لا، والله، ما هي قدمُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ما هي إلا قدمُ عمر - صلى الله عليه وسلم - كما رواه البخاري في الجنائز (١٣٩٠) عن فروة ثنا علي عن هشام بن عروة عن أبيه به.
ولما احتاج المسلمون إلى الزيادة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - زاد فيه عمر - رضي الله عنه -، وبناه علي بنيانه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باللبن والجريد، وأعاد عمده خشبًا، ثم غيّره عثمان فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصّة، وجعل عُمُده من حجارة منقوشة، وسقفه بالساج كما في صحيح البخاري (٤٤٦).
ثم لما ولي الوليد بن عبد الملك عام أمرَ عمرَ بن عبد العزيز - وكان عاملَه على المدينة آنذاك - بهدم بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإدخالها في المسجد، وقد عارضه علماء المدينة وفقهاؤها في إدخال قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد إلا أن عمر بن عبد العزيز بنى حيطانًا مرتفعًا، وجدارَين من الشرق والغرب يلتقيان في الشمال برأس مثلث فصار لا يتأتى لأحد استقبال القبور عند الصلاة أو الدعاء، لأنه ينحرف به عن القبلة.
ولم يكنْ ثمة قبةٌ، والقبة الموجودة الآن بُنيتْ في عهد السلطان الأشرف قايتباي - سلطان مصر - وجُعلت دعائمها في الأرض، وجعلوها حائزة على جميع الحجرة، وما اتصل بها من المثلث الشمالي، وكان ذلك عام (٨٨٩ هـ) في أواخر القرن التاسع الهجري.
وعلى هذا صارت القبور الثلاثة محجوزة بعدة حواجز: جدار حجرة عائشة، وجدار عمر بن عبد العزيز، والجدار الذي عليه القبةُ، ثم الحاجز الحديدي من ناحية القبلة، والغرب، وعليه فلا يمكن لأحد أن يصِل إلى القبور.
وتم بهذه الجهود المبذولة في بناء الحواجز عبر القرون تحقيقُ دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهم لا تجعلْ قبري وثنًا".
٢٥ - باب لم يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - ميراثا من دينارٍ ودرهمٍ
• عن عمرو بن الحارث - ختن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخي جويرية بنت الحارث - قال: ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند موته درهمًا ولا دينارًا ولا عبدًا ولا أمةً ولا شيئا إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضا جعلها صدقة.
صحيح: رواه البخاري في الوصايا (٢٧٣٩) عن إبراهيم بن الحارث، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا زهير بن معاوية الجعفي، حدثنا أبو إسحاق، عن عمرو بن الحارث، قال: فذكره.