يخالف أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قول أبي بكر، فصار كالإجماع، ويعد هذا من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -، بأنه دُفِنَ في البيت الذي مات فيه، ولا يجوز لأحد أن ينكر وجود قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ليس في الأرض قبر نبي معلوم بالتواتر والإجماع إلا قبر نبينا - صلى الله عليه وسلم -. مجموع الفتاوى (٢٧/ ٢٥٤).
وفيه صيانة لقبره - صلى الله عليه وسلم - من أن يتخذ مسجدًا، كما ورد التحذير في حديث عائشة عند البخاري في صحيحه (١٣٩٠) ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خُشي أن يتخذ مسجدا. أي لو دُفِنَ في مقابر المسلمين العامة.
قوله: "خُشِيَ أو خَشِي" - بالضم - أي أن الصحابة هم الذين خافوا أن يقع ذلك من بعض الناس، - وبالفتح - أي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خاف أن يتخذ قبره مسجدًا.
وبهذا تحقق دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - كما جاء عن أبي هريرة "اللَّهم لا تجعلْ قبري وثنًا، لعنَ الله قومًا اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجدَ" رواه الإمام أحمد (٧٣٥٨) وابنُ سعد (٢/ ٢٤١، ٢٤٢) وغيرهما من حديث سفيان عن حمزة بن المغيرة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، فذكره.
وإسناده حسن من أجل حمزة بن المغيرة فإنه حسن الحديث.
ورَوى الحاكم في المستدرك (٣/ ٦٠) من حديث الحميدي، ثنا سفيان قال: سمعتُ يحيى بن سعيد يحدث عن سعيد بن المسيب قال: قالت عائشة: رأيتُ كأنّ ثلاثة أقمار سقطت في حُجْرتي فسألتُ أبا بكر فقال: يا عائشة إن تصدُقْ رؤياك يُدفن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة، فلما قبض رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ودُفن، قال لي أبو بكر: يا عائشة هذا خير أقمارك، وهو أحدها.
وأخرجه أيضًا البيهقي في الدلائل (٧/ ٢٦٢) من وجه آخر عن سفيان. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ثم قال الحاكم: وقد كتبناه من حديث أنس بن مالك مسندًا، ثم أخرجه من طريق موسى بن عبد الله السلمي، عن عمر بن حماد بن سعيد الأبَحّ، عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُعجبه الرؤيا .. " فذكرتْ عائشةُ رؤياها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل قول أبي بكر.
ولكن قال الذهبي: عمر بن سعيد بن حماد الأبَحّ أحد الضعفاء، تمرّد به عنه موسى بن عبد الله السلمي، لا أدري مَن هو؟ .
ورَوى الإمام أحمد (٢٥٦٦٠) ومن طريقه الحاكم وصحّحه، فقال: ثنا حماد بن أسامة، أنبأنا هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة قالت: كنتُ أدخلُ بيتي الذي فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإني واضعٌ ثوبي، وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دُفن عمر معهم، فوالله ما دخلتُ إلا وأنا مشدودةٌ عليّ ثيابي، حياءً من عمر" أي أن عائشة - رضي الله عنها - بعد دفن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لم تكن تدخل حجرتها إلا في حجابها، حتى أقامتْ جدارا بينها وبين القبور كما سيأتي في أخبارها، ثم بعد