فأنكر الحفاظ على أبي إسحاق؛ لأنه مُدلِّس، فلعله دلَّسه؛ لأن غيره لم يذكر هذه اللفظة، قال أحمد: إنه ليس بصحيح. وقال أبو داود:(٢٢٨) بعد أن روى عن محمد بن كثير، نا سفيان، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينام وهو جنب من غير أن يمس ماءً. حدَّثنا الحسن بن علي الواسطي، قال سمعت يزيد بن هارون يقول: هذا الحديث وهم، يعني حديث أبي إسحاق. وقال الترمذي (١١٨): روي غير واحد عن الأسود، عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يتوضأ قبل أن ينام. وهذا أصح من حديث أبي إسحاق، عن الأسود. وقد رَوي عن أبي إسحاق هذا الحديث شعبةُ وسفيانُ وغير واحد، ويَرون أن هذا غلط من أبي إسحاق.
وقال ابن رجب الحنبلي في "فتح الباري"(١/ ٣٦٢): هذا الحديث مما اتفق أئمة الحديث من السلف على إنكاره على أبي إسحاق، منهم: إسماعيل بن خالد وشعبة ويزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة ومسلم بن الحجاج وأبو بكر الأثرم والجوزجاني والترمذي والدارقطني وغيرهم ... وأما الفقهاء المتأخرون فكثير منهم نظر إلى ثقة رجاله، فظن صحته، وهؤلاء يظنون أن كل حديث رواه ثقة فهو صحيح، ولا يتفطنون لدقائق علم علل الحديث".
وأما مسلم فإنه وإن كان أخرج من طريقه إلَّا أنه لم يذكر هذه اللفظة؛ فقال الحافظ في التلخيص (١/ ١٤٠، ١٤١): "كأنه حذفها عمدًا؛ لأنه عللها في كتاب التمييز".
إلَّا أنه انتقد ابن مفوز عندما ادّعى إجماع المحدثين على أنه خطأ من أبي إسحاق قائلًا: "تساهل في نقل الإجماع؛ فقد صحّحه البيهقي، وقال: إن أبا إسحاق قد بين سماعه من الأسود في رواية زهير عنه، وجمع بينهما ابن شريح على ما حكاه الحاكم عن أبي الوليد الفقيه عنه" انتهي.
وصورة الجمع التي ذكرها البيهقي عن ابن شريح: قولها: "لا يمس ماءً" أي: الغسل، وحديث عمر مفسرًا ذكر فيه الوضوء.
قلت: ويمكن الجمع بينهما أيضًا بيان جواز الأمرين؛ لأن كلا الخبرين صحيح، كما قال الدارقطني. فالوضوء صحيح وهو أفضل، وتركه أيضًا صحيح؛ وقد نقل الترمذي بأن هذا قول سعيد بن المسيب وغيره.
والحق أنَّه لا تعارض بين الحديثين. فحديث أبي إسحاق قبل أن يمس ماءً" يحمل على الغسل، وإن حمل على ترك الوضوء فهو لبيان الجواز، والوضوء أفضل، وبهذا تبين أن الوضوء صحيح، وتركهـ صحيح، وأن الأمر على التخيير.
[٢٣ - باب استحباب الوضوء للجنب إذا أراد أن يعود]
• عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله: "إذا أتى أحدكم أهلَه، ثم بدا له أن يُعاود فليتوضّأ بينهما وضوءًا".
صحيح: رواه مسلم في الحيض (٣٠٨) من طريق عاصم، عن أبي المُتوكِّل، عن أبي سعيد