وكان بالمدينة مقابر خاصة للمشركين، ومقابر خاصة للمسلمين كما هو الظاهر من حديث بشير ابن الخصامية الذي سيأتي في باب كراهية المشي في النعال بين القبور، ويستفاد من حديثه أيضًا أن من السنة الدفنُ في المقبرة العامة للمسلمين، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُدفن الموتى في مقبرة البقيع، ولم يثبت أنه أجاز دفن أحد من المسلمين في بيوتهم، بل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر" كما جاء في صحيح مسلم ظاهره يقتضي النهي عن الدفن في البيوت، وأما دفن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجرته فهو من خصوصياته عليه السلام كما دل عليه حديث أبي بكر الذي سبق، وأما دفن أبي بكر وعمر مع صاحبيه فهو لظروف خاصة، ولا يقاس عليهما غيرهما.
[١١ - باب ما جاء في دفن المشرك]
• عن علي بن أبي طالب قال: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن عمك الشيخ الضال قد مات، قال:"اذهب فوار أباك، ثم لا تحدثَنَّ شيئًا حتى تأتيني" فذهبت فواريتُه وجئتُه، فأمرني فاغتسلت، ودعا لي.
حسن: رواه أبو داود (٣٢١٧)، والنسائي (٢٠٠٦)، وابن الجارود (٥٥٠)، وأحمد (١٠٩٣) كلّهم من حديث أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب، عن علي بن أبي طالب فذكره.
وإسناده حسن من أجل ناجية بن كعب فهو مختلف فيه، فقد سئل يحيى بن معين عنه فقال:"صالح"، وقال أبو حاتم:"شيخ"، وقال العجلي:"كوفي ثقة"، وجعله الحافظ في درجة "ثقة" وأرى أنه لا يرتقي عن درجة "صدوق" وتكلم فيه ابن المديني فقال: "مجهول". وأورده الحافظ ابن حجر في "الفتح"(٧/ ١٩٥) وسكت عنه (إلا أنه عزاه إلى ابن خزيمة أيضًا، وهذا سهو منه، فإنه لم يعزه إليه في "إتحاف المهرة"(١٤٧٧٦) فتنبه).
ونقل البيهقي (١/ ٣٠٤) عن ابن المديني قال: لم نجد هذا الحديث إلا عند أهل الكوفة، وقال البيهقي: وفي إسناده بعض الشيء. رواه أبو إسحاق عن ناجية، ولا نعلم أحدا روي عن ناجية غير أبي إسحاق، قال الإمام أحمد: وقد رُوي من وجه آخر ضعيف عن علي هكذا. انتهى.
قلت: لعل الإمام أحمد يشير إلى ما رواه في مسنده (٨٠٧) عن إبراهيم بن أبي العباس، حدثنا الحسن بن يزيد الأصم، قال: سمعت السُدي إسماعيل يذكره عن أبي عبد الرحمن السُلمي، عن علي قال فذكره، وزاد في آخر الحديث:"فدعا لي بدعوة ما يسرني أن لي بها حمرَ النعم وسودها قال: وكان علي إذا غسل الميت اغتسل" وهذا الإسناد فيه شيء من الضعف.
ورواه ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند"(١٠٧٤) من وجه آخر عن الحسن بن يزيد الأصم بإسناده مثله، والإسناد الثاني هذا يقوي الإسناد الأول الذي من طريق ناجية بن كعب، والله أعلم.
وقد قال الحافظ في "التلخيص" بعد أن عزاه للمخرجين من طريق أبي إسحاق: "ومدار كلام البيهقي على أنه ضعيف، ولا يتبين وجه ضعفه، وقال الرافعي: إنه حديث ثابت مشهور، قال ذلك في أماليه".