قوله، وطلاقة لسانه، وأخذَ القلوب ما تسمع من حديثه؟ واللَّه لئن فعلتم، ثم استعرَض العرب، لتجتمعن عليكم، ثم ليأتين إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم. قالوا: صدق واللَّه! فانظروا رأيًا غير هذا. قال: فقال أبو جهل: واللَّه لأشيرن عليكم برأي ما أراكم أبصرتموه بعد، ما أرى غيره. قالوا: وما هو؟ قال: نأخذ من كل قبيلة غلامًا وَسيطا شابًّا نَهْدًا، ثم يعطى كل غلام منهم سيفًا صارمًا، ثم يضربوه ضربة رجل واحد، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها، فلا أظن هذا الحي من بني هاشم يقدرون على حرب قريش كلها، فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل، واسترحنا وقطعنا عنا أذاه. فقال الشيخ النجدي: هذا واللَّه الرأي، القولُ ما قال الفتى، لا أرى غيره! قال: فتفرقوا على ذلك وهم مُجْمعون له، قال: فأتى جبريل النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه تلك الليلة، وأذِن اللَّه له عند ذلك بالخروج، وأنزل عليه بعد قدومه المدينة "الأنفال"، يذكّره نعمه عليه، وبلاءه عنده:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}، وأنزل في قولهم: تربصوا به ريبَ المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء": {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ}[سورة الطور: ٣٠] وكان يسمى ذلك اليوم: "يوم الزحمة" للذي اجتمعوا عليه من الرأي.
حسن: رواه الطبري في تفسيره (١١/ ١٣٥، ١٣٤) عن سعيد بن يحيى الأموي قال: ثني أبي، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن عبد اللَّه بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس فذكره.
وهذا الإسناد رجاله ثقات سوى محمد بن إسحاق وهو صدوق حسن الحديث، لكنه مدلس، وقد عنعن، وقد زالت شبهة تدليسه، لكونه قد صرح بالتحديث في رواية أخرى عند الطبري في تاريخه (٢/ ٣٧٠)، فقال: حدّثنا ابن حميد، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني عبيد اللَّه بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج، عن ابن عباس فذكره.