وقال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأشعث بن قيس، في وفد كندة، فحدثني الزهري بن شهاب: أنه قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثمانين راكبا من كندة، فدخلوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجده وقد رجَّلوا جُمَمَهم وتكحلوا، وعليهم جبب الحبرة وقد كففوها بالحرير، فلما دخلوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"ألم تسلموا؟ " قالوا: بلى، قال:"فما بال هذا الحرير في أعناقكم؟ "؛ قال: فشقوه منها، فألقوه. سيرة ابن هشام (٢/ ٥٨٥).
[١٤ - وفد بني فزارة، وكان سنة تسع]
قال الواقدي: حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر الجمحي، عن أبي وجزة السعدي قال: لما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك، وكانت سنة تسع، قدم عليه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلًا، فيهم؛ خارجة بن حصن، والحارث بن قيس بن حصن، وهو أصغرهم، على ركاب عجاف، فجاءوا مقرين بالإسلام، وسألهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بلادهم، فقال أحدهم: يا رسول الله أسنتتْ بلادُنا، وهلكت مواشينا، وأجدب جنابُنا، وغرث عيالُنا، فادع الله لنا، فصعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر ودعا فقال:"اللهم اسق بلادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا مريئًا مريعًا طبقًا واسعًا عاجلًا غير آجلٍ، نافعًا غير ضارٍ، اللهم اسقنا سقيا رحمةٍ لا سقيا عذابٍ ولا هدم ولا غرق ولا محق، اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء" فمطرت فما رأوا السماء سبتًا، فصعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر، فدعا فقال:"اللهم حوالينا ولا علينا، على الآكام والظراب، وبطون الأودية ومنابت الشجر"، قال: فانجابت السماء عن المدينة انجياب الثوب.
أخرجه ابن سعد في الطبقات (١/ ٢٩٧) عن الواقدي، وفيه مع الواقدي إرسال، فإن أبا وجزة وهو يزيد بن عبيد من صغار التابعين إلا أن هذا الدعاء ثابت بأسانيد متصلة، انظر: كتاب الأدعية.
[١٥ - باب وفد بني حنيفة ومعهم مسيلمة الكذاب، وكان ذلك بعد سنة تسع]
• عن ابن عباس قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته، وقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطعة جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه، فقال:"لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت يجيبك عني" ثم انصرف عنه.
قال ابن عباس: فسألت عن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنك أرى الذي أريت فيه ما أريت" فأخبرني أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بينا أنا نائم رأيت في يَدَيَّ سوارين من ذهب، فأهمني شأنهما، فأوحي إلي في المنام: أنِ انفخهما، فنفختهما فطارا،