سبحانه فاضل بين الذكر والأنثى، وجعل الأنثى على النصف من الذكر في المواريث، والديات والشهادات والعتق ... فجرت المفاضلة في العقيقة هذا المجرى لو لم يكن فيها سنة، كيف والسنن الثابتة صريحة بالتفضيل". اهـ.
ودلت هذه الأحاديث على استحباب العقيقة على الإناث أيضا وهو قول جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وكان الحسن وقتادة لا يريان عن الجارية عقيقة، حكي ذلك عنهما أبو بكر بن المنذر كما في المصدر السابق ص (١١٢).
[٨ - باب حلق شعر المولود والتصدق بوزنه فضة]
• عن أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الحسن بن علي لما وُلِد أرادتْ أمُّه فاطمة أن تعق عنه بكبشين، فقال: "لا تعُقِّي عنه، ولكن احلقيْ شعر رأسه، ثم تصدقي بوزنه من الورق في سبيل الله". ثم وُلِدَ حسين بعد ذلك فصنعت مثل ذلك.
حسن: رواه الإمام أحمد (٢٧١٩٦)، والطبراني (٩١٧, ٩١٨) والبيهقي (٩/ ٣٠٤) كلهم من طرق عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن علي بن الحسين، عن أبي رافع فذكره.
وإسناده حسن من أجل ابن عقيل فإنه مختلف فيه غير أنه حسن الحديث إذا لم يخالف.
قال الهيثمي في المجمع (٤/ ٥٧): "رواه أحمد والطبراني في الكبير وهو حديث حسن".
وظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تعقي عنه" مخالف لما صحّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عقَّ عن الحسن والحسين، ولكن بالتأمل تبين أنه لا منافاة بين منعه - صلى الله عليه وسلم - فاطمة من العقِّ عنه، وبين أن يتولى هو بنفسه العقيقة عنه، وكأنه رأى أنّ العقيقة تشقّ عليها لضيق حالهم حينئذ، ولا سيما وأنها أرادت أن تعق عنه بكبش عظيم كما في بعض الروايات، فأرشدها - صلى الله عليه وسلم - إلى ما هو أخف وأيسر عليها وهو التصدق بوزن شعره فضة، وأما العقُّ عنه فهو الذي يتولاه بنفسه - صلى الله عليه وسلم -.
وقد أشار إلى نحو هذا الجمع البيهقي فقال عقب الحديث: "تفرد به ابن عقيل، وهو إن صحّ فكأنه أراد أن يتولى العقيقة عنهما بنفسه - كما رويناه - فأمرها بغيرها وهو التصدق بوزن شعرهما من الورق" اهـ.
قلت: ولا يضر تفرد ابن عقيل بهذا الحديث فإنه حسن الحديث كما قلت، وإنه لم يأت في حديثه ما ينكر عليه، بل قد توافرت الأخبار عن النصدق بزنة الشعر فضة، وخاصة في بيت النبوة وذلك بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو بعلمه وهو التقرير.
فقد رواه مالك في العقيقة (٢) عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أنه قال: "وزنت فاطمةُ بنت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم شعر حسن وحسين، وزينب وأم كلثوم فتصدقت بزنة ذلك فضة". ومن طريق مالك رواه أبو داود في المراسيل (٣٧١)، والبيهقي (٩/ ٣٠٤).