والصّواب بهذا الإسناد: أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قرن الحجَّ والعمرة، وليس فيه ذكر الطواف ولا السّعي، وقد حدّث به محمد بن يحيى الأزديّ على الصواب مرارًا، ويقال: إنه رجع عن ذكر الطواف والسعي، والله أعلم".
وانظر مزيدًا من التخريج في "المنة الكبرى" (٤/ ٢٩٦ - ٣٠٢).
وقلت في "المنة": "والخلاصة أنه لم يرد بسند صحيح أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - طاف طوافين وسعي سعيين.
والذي في "الصّحيحين" وغيرهما عن ابن عمر وغيره أنه طاف طوافًا واحدًا، وسعي سعيًا واحدًا.
وإن ثبت أنه طاف طوافين فيحمل على طواف القدوم والإفاضة، وأما السعي مرتين فلم يثبت كما قال البيهقي رحمه الله تعالي.
وقال ابن حزم: لا يصح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحابه في ذلك شيء أصلًا، وقد نقل في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما هو موضوع بلا ريب.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: والصحابة الذين نقلوا حجّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم نقلوا أنهم طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة، أمرهم بالتّحلل إلا من ساق الهدي فإنه لا يحل إلا يوم النحر، ولم ينقل عن أحد منهم أن أحدًا منهم طاف وسعي، ثم طاف وسعي، ومن المعلوم أن مثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فلما لم ينقله أحد من الصحابة علم أنه لم يكن".
وقال ابن القيم: "لا يصح منها حرف واحد".
وإن سلمنا أن الأحاديث والآثار بالمتابعات الكثيرة قد ترتقي إلى درجة الحسن، فهي معارضة بما هو أقوى وأصح وأرجح وأولى بالقبول بأنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل في قرانه إلا كما يفعل المفرد لحديث عائشة المتفق عليه، وحديث ابن عمر عند البخاريّ، وكقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الذي في صحيح مسلم (١٢١١/ ١٣٢) لعائشة: "يسعك طوافك لحجك وعمرتك".
والتحقيق في هذه المسألة أن القارن يفعل كما يفعل المفرد لاندارج أعمال العمرة في أعمال الحج بخلاف التمتع فإنه يطوف ويسعى لعمرته، ثم يحل، ثم يحرم فيطوف ويسعي لحجّه بعد عودته من عرفات" انتهي.
وأضيف هنا قول الحافظ ابن القيم من "تهذيب السنن" أنه قال: "وقد روي عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه "طاف طوافين، وسعى سعيين" من رواية علي، وابن مسعود، وعبد الله بن عمر، وعمران بن حصين، ولا يثبت منها شيء" انتهي.
٦٧ - باب أنّ القارن والمفرد لا يتحللان بعد طوافهما الأوّل
• عن محمد بن عبد الرحمن، أَنَّ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَ لَهُ: سَلْ لِي عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ رَجُلٍ يُهِلُّ بِالْحَجِّ فَإِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ أَيَحِلُّ أَمْ لا؟ فَإِنْ قَالَ لَكَ: لا يَحِلُّ،