"إنّ اللَّه عزّ وجلّ كتب كتابًا بيده لنفسه قبل أن يخلق السماوات والأرض، فوضعه تحت عرشه فيه: رحمتي سبقتْ غضبي".
رواه الإمام أحمد (٩١٥٩) عن محمد بن سابق، حدثنا شريك، عن الأعمش، عن أبي صالح، به. وشريك هو ابن عبد اللَّه القاضي النخعيّ تُكلِّم فيه من ناحية حفظه، ولكنه توبع فتبين منه أنه لم يخلط فيه، وبهذه المتابعات ثبت قوله:"بيده". وإن كان الحديث في الصحيحين بدونه كما في باب: إنّ اللَّه كتب في كتابه: "إنّ رحمتي غلبت غضبي". وفيه أنه وضعه فوق عرشه.
قال اللغويون:"فوق" من ألفاظ الأضداد التي تستعمل في لغة العرب ويراد بها "تحت" كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}[سورة البقرة: ٢٦] أي فيما دونها.
وقوله:"على نفسه".
قال ابن خزيمة:"فاللَّه جلّ وعلا أثبت في أي من كتابه أنّ له نفسًا، وكذلك بيّن على لسان نبيّه أن له نفسًا، كما أثبت النفس في كتابه وكفرت الجهمية بهذه الآي وهذه السنن، وزعم بعض جهلتهم أن اللَّه تعالى إنما أضاف النفس إليه على معنى إضافة الخلق إليه، وزعم أن نفسه غير كما خلق غيره. وهذا لا يتوهمه ذو لبٍّ وعلم فضلا عن أن يتكلّم به. قد أعلم اللَّه في محكم تنزيله أنه {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}[الأنعام: ١٢] أفيتوهّم مسلمٌ أن اللَّه تعالى كتب على غيره الرحمة؟ وحذّر العباد نفسه أفيحل لمسلم أن يقول: إن اللَّه حذّر العباد غيره أو يتأول قوله لكليمه موسى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}[سورة طه: ٤١] فيقول: معناه واصطفيتك لغيري من المخلوق، أو يقول: أراد روح اللَّه بقوله: {وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}[سورة المائدة: ١١٦] أراد ولا أعلم ما في غيرك؟ هذا ما لا يتوهمه مسلم ولا يقوله إلا معطّل كافر". انتهى.
قال الشيخ خليل هرّاس معلقًّا على كلام ابن خزيمة:"فالنّفس ثابتهٌ للَّه عزّ وجلّ بالآيات والأحاديث المتفق عليها، فأهل الحقّ يثبتون ذلك ويمسكون عما وراءه من الخوض في حقيقتها أو كيفيتها، وينزّهون اللَّه عن مشابهة نفسه لأنفس المخلوقين، كما لا يقتضي إثباته عندهم أن يكون مركبًا من نفس وبدن، تعالى اللَّه عن ذلك". انتهى.
[١٠ - باب ما جاء في "تحت العرش"]
• عن حذيفة قال:"فُضِّلتْ هذه الأمّة على سائر الأمم بثلاث: جعلتْ لها الأرضُ طهورًا ومسجدًا، وجُعلت صفوفها على صفوف الملائكة". قال: كان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول ذا -"وأعطيتُ هذه الآيات من آخر البقرة من كنز تحت العرش، لم