ببراءتي، ولكن واللهِ! ما كنتُ أظنُّ أنّ الله منزلٌ في شأني وحْيًا يُتلى، لشأني في نفسي كان أحقرَ من أن يتكلّم اللهُ فيَّ بأمْرٍ، ولكن كنتُ أرجو أن يرى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في النّوم رؤيا يبرئني الله بها، فواللهِ! ما رام رسولُ - صلى الله عليه وسلم - مجلسَه ولا خرج أحدٌ من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البُرحاء حتى إنّه ليتحدَّرُ منه من العرق مثل الجمان، وهو في يوم شاتٍ من ثقل القول الذي أنزل عليه.
متفق عليه: رواه البخاريّ في المغازي (٤١٤١)، ومسلم في التوبة (٢٧٧٠) كلاهما من حديث إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب، قال: حدثني عروة بن الزّبير وسعيد بن المسيب وعلقمه بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عائشة، فذكرته في قصة الإفك.
وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة، وهي مذكورة في كتاب الوحي.
والصحيح من أقوال أهل العلم أن نزول هذه الآيات من سورة المزمل كان بعد فترة انقطاع الوحي.
٣ - باب قوله: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (٦) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (٧)}
ناشئة من النشئ وهو الإيجاد، والمراد منه الصلاة الناشئة التي ينشئها المصلي في الليل، وإذا كان بعد نوم فمعنى النشئ فيها أقوى.
وقال ابن عباس: صلاة الليل كلها ناشئة.
وقوله: {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} بفتح الواو، وسكون الطاء، أي أشد على المصلي، وأثقل من صلاة النهار لأن الليل للنوم والراحة.
وقرأ ابن عامر وأبو عمرو: {وَطْئًا} بكسر الواو ممدودا بمعنى المواطأة والموافقة، وذلك أن مواطأة القلب والسمع والبصر واللسان بالليل تكون أكثر مما يكون بالنهار. ذكره البغوي في تفسيره (٤/ ٤٩٣).
وقال: عبادة الليل أشد نشاطا، وألم إصلاحا، وأكثر بركة، وأبلغ في الثواب من عبادة النهار.
وقوله: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} أي تصرفا وتقلبا وإقبالا وإدبارا في حوائجك وأشغالك.
وأصل "السبح" سرعة الذهاب، ومنه السباحة في الماء، ولذا فصلِّ في الليل.
٤ - باب قوله: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (٨)}
قوله: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} أي: بالتوحيد والتعظيم.
وقوله: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} أي: انقطع إليه، وتفرغ لعبادته وأخلص له فيها.
وأما التبتل بمعنى ترك النكاح والإعراض عن الزواج والانقطاع عن النساء فليس ذلك من سنن الأنبياء وشرائعهم.