وقال ابن حزم في جوامع السيرة (ص ٢٧١) بعد أن سرد أسماء القرّاء المعروفين الذين سبق ذكرُهم: "وههنا قراءة غير هذه أيضًا عن الأئمة المشهورين مما لم يشتهر عنهم، فلا يحلّ أن يُقرأ بها بمعنى: أن تُعلّم، ولا يُصلّى بها، ولا تُكتب في المصاحف أصلًا".
قلت: لقد كان خلاف في هذه المسألة، ثم انتهى هذا الخلاف بهذا الإجماع، وكان النووي وغيره أيضًا ادعى الاجماع على ذلك.
كما لا يجوز أن يشهد على اللَّه عزّ وجلّ غير ما في المصحف "المجمع" عليه، ولكن لا مانع من نقل الروايات الأخرى المنسوبة إلى ابن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما المخالفة للمصحف العثماني في كتب التفسير والحديث، للاستشهاد به على معنى القرآن، ولكن حكمها حكم الشاذ، ولذلك لا يستشهد بها على اللَّه عزّ وجلّ، فإن ذلك خاصة بالمصحف العثماني.
وبقي الخط العربي من عصر كتابة الوحي إلى أيام عبد الملك بن مروان بدون نقط وشكل، فلما خرج الإسلام من جزيرة العرب إلى بلاد العجم، وشقَّ على الأعاجم قراءة القرآن قراءة صحيحة، جاء دور التنقيط والتشكيل، فأسند الحجاج بنُ يوسف في عهد عبد الملك بن مروان تنقيطَ المصحف وتشكيلَه إلى بعض أهل العلم، فنقّطوه وشكّلوه، فاتفق المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها على قراءة القرآن على نمط واحد.
١٧ - باب في كم يُقرأ القرآن
• عن عبد اللَّه بن عمرو قال: قال لي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اقرأ القرآن في كل شهر" قال: قلت: إني أجد قوة، قال:"فاقرأه في عشرين ليلة" قال: قلت: إني أجد قوة، قال:"فاقرأه في سبع، ولا تزد على ذلك".
متفق عليه: رواه البخاريّ في فضائل القرآن (٥٠٥٤) ومسلم في الصيام (١١٥٩: ١٨٤) كلاهما من طريق شيبان، عن يحيى (هو ابن أبي كثير)، عن محمد بن عبد الرحمن مولى بني زهرة، عن أبي سلمة -قال:(القائل: هو يحيى بن أبي كثير)، وأحسبني قال: سمعت أنا من أبي سلمة- عن عبد اللَّه بن عمرو، فذكره.
• عن عبد اللَّه بن عمرو عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"صُمْ من الشهر ثلاثة أيام" قال: أطيق أكثر من ذلك، فما زال حتى قال:"صُمْ يومًا وأَفْطرْ يومًا" فقال: "اقرأ القرآن في كل شهر" قال: إني أطيق أكثر، فما زال حتى قال:"في ثلاث".
صحيح: رواه البخاريّ في الصوم (١٩٧٨) عن محمد بن بشار، حدّثنا غندر، حدّثنا شعبة، عن مغيرة، قال: سمعت مجاهدًا، عن عبد اللَّه بن عمرو، فذكره.
وقوله:"في سبع" ثم "في ثلاث" يحمل على وقتين مختلفين، ثم استقر الأمر على ثلاث لأن