للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"الضّعيفة" (٨٦٥).

قلت: إن كان الأمر كما قال ابن عبد البر والقرطبي والذهبي وغيرهم من أهل العلم قديمًا، ومن المعاصرين فلا يقبل قول الآجري: "أما حديث مجاهد في فضيلة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وتفسيره لهذه الآية أنه يُقعده على العرش، فقد تلقاها الشيوخ من أهل العلم والنقل لحديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تلقوها بأحسن تلقٍ، وقبلوها بأحسن قبول، ولم ينكروها. وأنكروا على من ردّ حديث مجاهد إنكارًا شديدًا، وقالوا: من ردّ حديث مجاهد فهو رجل سوء" انتهى.

لأنّ الأمور الغيبية لا تثبت بالرّوايات الموقوفة الضّعيفة وقد ثبت بالروايات الصّحيحة المرفوعة والموقوفة أن المقام المحمود هو الشّفاعة الكبرى، فوجب المصير إليه وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين وهم أعلم بمجاهد وغيره، بل قد نُقل عن مجاهد نفسه أنّ المقام المحمود هو الشّفاعة. أخرجه ابن جرير في تفسيره (١٥/ ٤٥) عن محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: عيسى، وحدّثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله تعالى: {مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: شفاعة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم القيامة.

وأمّا من قال بقول مجاهد فلعلّه قال ذلك مغايظة الجهمية لأنّهم ينكرون أن يكون شيء على العرش، كما قال أبو داود السّجستانيّ بعد أن رواه عن إبراهيم بن موسى الرّازيّ، قال: ثنا محمد ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد في قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: يجلسه على عرشه.

قال أبو داود: "من أنكر هذا فهو عندنا متّهم. وقال: ما زال النّاس يحدّثون بهذا يريدون مغايظة الجهميّة، وذلك أنّ الجهميّة ينكرون أن على العرش شيئًا". رواه الخلّال في السنة (٢٤٤)، وفي إسناده ليث وهو ابن أبي سليم صدوق اختلط أخيرًا ولم يتميز حديثه فترك.

ولكن لا إحالة في قبول هذا الخبر لو ثبت كما قال ابن جرير الطّبريّ بعد أن صوَّب بأنّ المقام المحمود هو الشّفاعة، قال: "وهذا وإن كان هو الصحيح من القول في تأويل قوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} لما ذكرنا من الرواية عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه والتابعين، فإن ما قاله مجاهد من أن اللَّه يُقعد محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- على عرشه، قول غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر؛ وذلك لأنّه لا خبر عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن التابعين بإحالة ذلك" انتهى.

٦ - باب شفاعة النّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لكلّ من قال: لا إله إلّا اللَّه، ولم يشرك باللَّه ولو عمل الكبائر واستحقّ النار

• وعن أبي هريرة، أنه قال: قيل: يا رسول اللَّه، مَنْ أسعدُ النّاس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لقد ظننتُ يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث

<<  <  ج: ص:  >  >>