من العرب مثل حقنا، ولا مثل منزلتنا، ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا، فلا تعظموا شيئا من الحل كما تعظّمون الحرم، فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمتكم، وقالوا: قد عظّموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم. فتركوا الوقوف على عرفة، والإفاضة منها، وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم عليه السلام ويرون لسائر العرب أن يقفوا عليها، وأن يفيضوا منها، إلا أنهم قالوا: نحن أهل الحرم، فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرمة ولا نعظم غيرها كما نعظمها نحن الحُمس، والحُمس أهل الحرم، ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكن الحل والحرم مثل الذي لهم، بولادتهم إياهم، يحل لهم ما يحل لهم، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم.
وكانت كنانة وخزاعة قد دخلوا معهم في ذلك.
فكان لغير الحُمس أن لا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في لباس الحُمس، فإن لم يجدوا منها شيئًا طافوا بالبيت عراة، فكانت المرأة إذا اتفق طوافها لذلك وضعت يدها على فرجها وتقول: اليوم يبدو بعضه أو كلّه وما بدا منه فلا أحله.
قال ابن إسحاق: فكانوا كذلك حتى بعث الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وأنزل عليه القرآن ردًا عليهم فيما ابتدعوه فقال:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}[البقرة: ١٩٩] أي جمهور العرب من عرفات. سيرة ابن هشام (١/ ١٩٩ - ٢٠٣).
[٣١ - حجب الجن من علامات قرب بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم -]
قال ابن إسحاق:"وكانت الأحبار من يهود والرهبان من النصارى، والكهان من العرب، قد تحدثوا بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل مبعثه لما تقارب من زمانه. أما الأحبار من يهود والرهبان من النصارى، فعما وجدوا في كتبهم من صفته وصفة زمانه وما كان من عهد أنبيائهم إليهم فيه. وأما الكهان من العرب فأتتهم به الشياطين من الجن فيما تسترق من السمع إذ كانت هي لا تحجب عن ذلك بالقذف بالنجوم. وكان الكاهن والكاهنة لا يزال يقع منهما ذكر بعض أموره لا تلقي العرب لذلك فيه بالا حتى بعثه الله تعالى، ووقعت تلك الأمور التي كانوا يذكرون فعرفوها.
فلما تقارب أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحضر مبعثه حجبت الشياطين عن السمع وحيل بينها وبين المقاعد التي كانت تقعد لاستراق السمع فيها، فرموا بالنجوم فعرفت الجن أن ذلك لأمر حدث من أمر الله في العباد تبارك وتعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - حين بعثه وهو يقص عليه خبر الجن إذ حجبوا عن السمع فعرفوا ما عرفوا، وما أنكروا من ذلك حين رأوا ما رأوا". اهـ.
• عن عبد الله بن عمر قال: ما سمعت عمر لشيء قط يقول: إني لأظنه كذا، إلا كان كما يظن، بينما عمر جالس إذ مر به رجل جميل، فقال: لقد أخطأ ظني، أو إن هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم على الرجل، فدعي له، فقال له ذلك، فقال: ما رأيت كاليوم استُقبل به رجل مسلم، قال: فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني،