فالظّاهر أَنّ الأصل في المدلّس هو التحديث، لأنّ الراويّ يهتم بصيغة الأداء إذا كان شيخه مدلِّسّا، فإذا قال مرة: "حدثنا"، وأخرى: "عن"، فمعناه أنه لم يضبط في المرة الثانية، فما ضبطه لا ينقضه ما لم يضبطه، إِلَّا أَنَّ هذا الحديث معروف من رواية عبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة بالعنعنة، ومن طريقه رواه الإمام أحمد (٢٣١٤)، وابن أبي عاصم في السنة (٥٧٩)، والطبراني في الكبير (١١٥٩١)، وابن منده في الرد على الجهمية (١٢)، وابن خزيمة في التوحيد (١٣٦).
وتابعه على التحديث به أحمد بن عبد الجبار، نا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثني يعقوب بن عتبة. ومن طريقه رواه البيهقي في الأسماء والصفات (٧٧١).
وأحمد بن عبد الجبار وهو العُطارديّ قال فيه الدارقطني: لا بأس به، وضعَّفه غيره إِلَّا أنه روى عن يونس بن بكير مغازي محمد بن إسحاق. قال الحافظ في "التقريب": "ضعيف وسماعه للسيرة صحيح".
وأمّا قول البيهقيّ: هذا حديث يفرّد به محمد بن إسحاق بن يسار بإسناده هذا فهو ليس بصحيح، بل إنه قد توبع.
فقد رواه ابن خزيمة في التوحيد (١٣٨) عن أبي هاشم زياد بن أيوب، قال: حدثنا إسماعيل -يعني ابن عليّة- قال: حدثنا عمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكر القصة.
قال عكرمة: "فقلت لابن عباس: وتجلد الشّمس؟ فقال: عضضت بهني أبيك! وإنَّما اضطره الراوي إلى أن قال: تجلدُ".
وروى عن هشام بن عروة قال: "حملة العرش: أحدهم على صورة إنسان، والثاني على صورة ثور، والثالث على صورة نَسْر، والرابع على صورة أسد".
قال البيهقيّ: وإنَّما أريد به ما جاء في حديث آخر عن ابن عباس أن الكرسي يحمله أربعة من الملائكة: ملك في صورة رجل، وملك في صورة أسد، وملك في صورة ثور، وملك في صورة نسر، فكأنّه إن صحّ بين: أن الملك الذي في صورة رجل، والملك الذي في صورة ثور يحملان الكرسي من موضع الرجل اليمنى، والملك الذي في صورة النسر، والذي في صورة الأسد وهو اللّيث يحملان من الكرسي موضع الرجل الأخرى، أن لو كان الذي عليه ذا رجلين".
ولا منافاة بينه وبين قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [سورة الحاقة: ١٧] فهذا خاص بيوم القيامة، وأمّا قبل يوم القيامة فأربعة إن صحّ هذا الحديث كما قال البيهقيّ؛ ولذا لم ير ابن خزيمة التعارض بين الحديث والآية، إلَّا أنه أخّر الجمع بين الحديث والآية في موضع آخر في كتابه.
٣٠ - باب ما جاء في السّاق
قال اللَّه تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} [سورة القلم: ٤٢ - ٤٣].