ولا يضرُّ ما يُثير بعضُ الكُتّاب الشبهات في أهمية السنة وحجيتها بأن العلماء لم يتفقوا على تصحيح الحديث وتضعيفه، وتعديل الرجال وتضعيفهم، والترجيح بين المرسل والمتصل، والموقوف والمرفوع وفي غيره من الموضوعات الحديثية، فأقول لهم جميعا: إن الأصل هو الاحتجاج بالحديث الصحيح كما نص عليه جميع أهل العلم من المحدثين والفقهاء والأصوليين وغيرهم، وأما الاختلاف في التصحيح والتضعيف فهو ناشئ إما من عدم العلم بالتخريج، وإما من تطبيق بعض قواعد علوم التخريج المختلف فيها بين أهل العلم، وعدم القدرة على التوفيق بين أقوالهم، ثم هو في هذا كغيره من العلوم الإسلامية مثل التفسير والفقه والأصول واللغة العربية وبلاغتها، فهذا الخلاف لا يجعل هذه العلوم محل شك وارتياب، فكذلك علم التخريج مع أن الغالب فيه اتفاق أهل العلم المتمكنين في هذا العلم كما يدل عليه قصة أبي حاتم قال: "جاءني رجل من جلة أصحاب الرأي، من أهل الفهم منهم، ومعه دفتر، فعرضه عليّ فقلت في بعضها: هذا حديث خطأ، قد دخل لصاحبه حديث في حديث، وقلت في بعضه: هذا حديث باطل، وقلت في بعضه: هذا حديث منكر، وقلت في بعضه: هذا حديث كذب، وسائر ذلك أحاديث صحاح.
فقال لي: من أين علمتَ أن هذا خطأٌ، وأن هذا باطلٌ، وأن هذا كذب؟ أخبرك راوي هذا الكتاب، بأني غلطت، وإني كذبتُ في حديث كذا؟ فقلت: لا، ما أدري هذا الجزء من رواية من هو؟ غير أني أعلم أن هذا خطأ، وأن هذا الحديث باطل، وأن هذا الحديث كذب، فقال: تدّعي الغيب؟ قلت: ما هذا ادّعاء الغيب.
قال: فما الدليل على ما تقول؟ قلت: سل عما قلت من يُحسن مثل ما أُحسن، فإن اتفقنا علمتَ أنا لم نُجازف، ولم نقله إلا بفهم. قال: من هو الذي يُحسن مثل ما تُحسن؟ قلت: أبو زرعة، قال: ويقول أبو زرعة مثل ما قلتَ؟ قلت: نعم، قال: هذا عجب.
فأخذ فكتب في كاغد ألفاظي في تلك الأحاديث، ثم رجع إليّ وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث، فما قلت: إنه باطل قال أبو زرعة: هو كذب، قلت: الكذب والباطل واحد، وما قلت: إنه كذب، قال أبو زرعة: هو