صاروا كالرمائم فتعود إليهم الحياة بأمر الله تعالى: {كُن}.
وأما غير الموجود فمثل خلق السموات والأرض وما فيهن، فإن الله خلقهن من العدم، وعليه يدل قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (١١٧)} [البقرة: ١١٧].
٤ - باب قوله: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٥٠)}
قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} وقال تعالى في سورة الرعد [١٥]: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (١٥)} فيه إشارة إلى وجود مخلوقات في الكواكب تسجد لله كما تسجد الجمادات من الشمس والقمر والسيارات الأخرى، وأما الملائكة فيأتي ذكرهم استقلالا.
وقوله تعالى: {مِنْ دَابَّةٍ} الدابة تطلق على كل ما يدب على الأرض غير الإنسان، وسجود هذه الدواب الانقياد والطاعة لله عز وجل لما خُلقنَ كما جاء في سورة فصلت [١١] {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١)}.
وقوله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ} بالرفع، خص ذكر الملائكة مع كونهم من جملة ما في السموات بسبب اعتقاد المشركين بأنهم بنات لله، ولهم تصرف فأبطل الله هذا الاعتقاد، وأخبر أنهم من جملة المخلوقين الذين يسجدون لله عز وجل ثم ذكر من صفاتهم {وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}.
٥ - باب قوله: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١)}
بعد أن أبطل الله اعتقاد المشركين عموما في اتخاذ الآلهة الكثيرة، أبطل في هذه الآية الكريمة اعتقاد بعض المشركين من العرب الذين تأتروا بعقيدة الفرس الذين كانوا في جوارهم، وهم يعبدون إلهين اثنين، إله الخير يسمونه "يزدان"، وإله الشر ويسمونه "أهرمن"، وزعموا أن يزدان كان منفردا بالإلهية، وكان لا يخلق إلا الخير، فلم يكن في العالم إلا الخير، فخطر في نفسه مرة خاطر شر، فتولد عنه إله آخر شريك له، وهو إله الشر.
وقد دان بهذه العقيدة بعض القبائل العربية، فردّ الله عليه، وأحكم القول بأنه إله واحد، وهو مثل قول الله تعالى لعيسى بن مريم {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: ١١٦] فلما تبرأ عيسى عليه السلام {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة: ١١٩].
٦ - باب قوله: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (٥٧) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ