وإلى هذا النوع يشير الحافظ البيهقي في مقدمة دلائل النبوة (١/ ٣٨) بقوله: "وأما النوع الثالث من الأحاديث فهو حديث قد اختلف أهل العلم بالحديث في ثبوته، فمنهم من يضعفه بجرح ظهر له من بعض رواته خفي ذلك على غيره، أو لم يقف من حاله على ما يوجب قبول خبره، وقد وقف عليه غيره، أو المعنى الذي يجرحه به لا يراه غيره جرحا، أو وقف على انقطاعه أو انقطاع بعض ألفاظه، أو إدْراج بعض رواته قولَ رواته في متنه، أو دخول إسناد حديث في حديث خفي ذلك على غيره.
فهذا الذي يجب على أهل العلم بالحديث بعدهم أن ينظروا في اختلافهم، ويجتهدوا في معرفة معانيهم في القبول والرد، ثم يختاروا من أقاويلهم أصحّها. وباللَّه التوفيق". انتهى قول البيهقي.
ذكر بعض الفوائد المهمّة وقواعد التخريج التطبيقية التي اشتمل عليها الجامعُ الكامل
أذكر هنا بعض الفوائد التطبيقية في أصول التخريج ليستفيد منها طلبة الحديث المشتغلين بالتخريج، وهي مما كتبتُها بالعجالة؛ لأن استيعاب هذه الفوائد يحتاج إلى قراءة الكتاب من أوله إلى آخره، ويستغرق ذلك زمنا طويلا واللَّه المستعان.
[١ - ربط السنة بالقرآن]
ربطتُ السُّنّةَ بالقرآنِ بقدرِ الإمكانِ؛ لأنَّ السُنَّةَ مفسرةٌ له، فَلا يَسْتَغْنِي أحدُهمَا عن الآخرِ، لأنهما أسَاسُ هذا الدّينِ الحنيفِ.
وكان من منهج المحدثين الرجوع إلى الكتاب والسنة لاستنباط الأحكام منهما قبل تَفْرِيعِها، فإذا كان القرآن محتملًا لوجوه خصَّصوه بالسنّة.
وكانَ الإمامُ البخاريُّ رحمه اللَّهُ تعالى الذي أوّل من جرّدَ الصحيحَ يُتَرْجِمُ للحديث ما يُستفادُ منه، ويَرْبِطُه بالقرآن، ويَدْعَمْه بآثار الصحابة والتابعين، ويكتفي بها تعبيرًا عن رأيه، ولذا قيل: فقهُ البخاري في تراجمِه، فإذا لم يَقْطَع الحكمَ أتي بصيغة الاستفهام، وتبعه في هذا المنهج الإمامُ البغويُّ في كتابه:"شرح السنة" ثم توقّف هذا المنهج.
[٢ - تصحيح الحديث ولو بطريق واحد]
إذا صحَّ الحديثُ بشروطه المعتبرة ولو ببعض الطرق لم ألتزم بذكر جميع طرقه