بعد أن ذكر الله ما تفضل به على داود، ذكر ابنه سليمان وما امتن به عليه وحصرها في ثلاثة أمور في هذه الآية الكريمة:
أولها: تسخير الريح له في شواطئ فلسطين فجعل شهرًا تبدأ مشرقة لتجوال سفنه في البحر المتوسط شواطئ شمال إفريقيا، وشهرًا مغربة للعودة إلى شواطئ فلسطين كما قال في سورة الأنبياء {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}[الأنبياء: ٨١].
وقوله:{غُدُوُّهَا شَهْرٌ} أي انطلاقُها.
وقوله:{وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} أي رجوعها بعد انتهاء مهمتها التي انطلق لها.
وقال بعض المفسرين: غدوها شهر ورواحها شهر كان في يوم واحد مسيرة شهرين، فتخرج سفنه من البحر المتوسط وتجول في البحار الواقعة في شرق إفريقيا وجنوبها حتَّى تصل سواحل اليمن في يوم واحد.
الثاني: جعل اللهُ النحاسَ له سائلًا وهو قوله: {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} القِطْر - بكسر القاف: النحاس المُذاب.
والإسالة: جعل الشيء سائلًا أي مائعا. أي إن الله جعل النحاس سائلًا له مثل الماء الذي يخرج من العين ليصنع منه أسلحة ودروعا وتماثيل ومحاريب وقدورا وغيرها مما يحتاج إليه.
والثالث: إن الله جعل الجن مطيعا له وهو قوله: {وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ} ومع الجن حشرَ اللهُ له أيضًا من الإنس والطير كما في قوله تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ