وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (٢٤)} [سورة المائدة: ٢٤]، فأغضبوا موسى عليه السلام، فدعا عليهم وسماهم فاسقين، ولم يدع عليهم قبل ذلك، لما رأى منهم من المعصية وإساءتهم، حتى كان يومئذ، فاستجاب الله تعالى له، وسماهم كما سماهم موسى: فاسقين، فحرمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض، يصبحون كل يوم، فيسيرون ليس لهم قرار، ثم ظلل عليهم الغمام في التيه، وأنزل عليهم المن والسلوى، وجعل لهم ثيابا لا تبلي ولا تتسخ، وجعل بين أظهرهم حجرا مربعا، وأمر موسى، فضربه بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، في كل ناحية ثلاثة أعين، وأعلم كل سبط عينهم التي يشربون منها، فلا يرتحلون من منقلة، إلا وجدوا ذلك الحجر بالمكان الذي كان فيه بالأمس.
رفع ابن عباس هذا الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصدق ذلك عندي أن معاوية سمع ابن عباس حدث هذا الحديث، فأنكر عليه أن يكون الفرعوني الذي أفشى على موسى أمر القتيل الذي قتل، فقال: كيف يفشي عليه ولم يكن علم به ولا ظهر عليه إلا الإسرائيلي الذي حضر ذلك؟ . فغضب ابن عباس، فأخذ بيد معاوية، فانطلق به إلى سعد بن مالك الزهري، فقال له: يا أبا إسحاق، هل تذكر يوما حدثنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتيل موسى الذي قتل من آل فرعون؟ آلإسرائيلي أفشى عليه أم الفرعوني؟ قال: إنما أفشى عليه الفرعوني ما سمع من الإسرائيلي شهد على ذلك وحضره.
رواه النسائي في الكبرى (١١٢٦٣)، وأبو يعلى (٢٦١٨)، وابن جرير في تفسيره (١٦/ ٦٤ - ٦٩)، والطحاوي في شرح المشكل (٦٦) مختصرا - كلهم من طرق عن يزيد بن هارون، أنا أصبغ بن زيد، أنا القاسم بن أبي أيوب، حدثنا سعيد بن جبير قال: سألت عبد الله بن عباس، فذكره.
وقال الهيثمي في "المجمع"(٧/ ٥٦): "رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح، غير أصبغ بن زيد، والقاسم بن أبي أيوب، وهما ثقتان".
قلت: ولكن المتن فيه نكارة، ولعل ابن عباس أخذ بعضه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والبعض الآخر عن كعب الأحبار وغيره، وإليه يشير كلام الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (٢/ ١٩٦):
"الأشبه والله أعلم أنه موقوف، وكونه مرفوعا فيه نظر. وغالبه متلقى من الإسرائيليات. وفيه شيء يسير مصرح برفعه في أثناء الكلام. وفي بعض ما فيه نظر ونكارة، والأغلب أنه من كلام كعب الأحبار، وقد سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك أيضا، والله أعلم" اهـ.
٤ - باب قوله: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)}
• عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"التقى آدم وموسى، فقال موسى لآدم: أنت الذي أشقيت الناس، وأخرجتهم من الجنة؟ . قال له آدم: أنت الذي اصطفاك الله برسالته، واصطفاك لنفسه، وأنزل عليك التوراة؟ . قال: نعم. قال: فوجدتها كتب علي قبل أن يخلقني، قال: نعم. فحجّ آدمُ موسى".