قال الترمذي عقب إخراج حديث زينب:
"هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم لم يروا للمعتدة أن تنتقلَ من بيت زوجها حتى تنقضي عدّتُها، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم: للمرأة أن تعتد حيث شاءت، وإن لم تعتد في بيت زوجها.
والقول الأول أصح". انتهى.
وبالقول الأول قال الأئمة الأربعة، قال ابن عبد البر: "وهو قول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز، والشام، والعراق، ومصر".
وقالوا أيضا: لو جاء النعي في غير منزلها فإنها تعتد في منزلها.
والقول الثاني روي عن علي، وابن عباس، وجابر، وعائشة من الصحابة، وكذلك قال به جماعة من التابعين.
وكانت حجتُهم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: ٢٤٠] فكانت المرأةُ في الجاهلية تمكثُ سنة في بيت زوجها المتوفى عنها، يُنفق عليها من ميراثه، فإذا تمَّ الحولُ خرجتْ إلى أهلها.
ثم جاء الإسلام فأقرهم على ما كانوا عليه من مكث الحول بهذه الآية، ثم نسخ ذلك بالآية المتقدمة في نظم القرآن على هذه الآية وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: ٢٣٤] فجعل المكث أربعة أشهر وعشرًا، ونسخ الأمر بالوصية لها بما فرض لها من ميراثه، وبقي الخروج من بيت زوجها من غير إخراج لها على حالها.
قال ابن عباس: نسختْ هذه الآية (أعني الآية ٢٣٤) عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت وهو قوله تعالى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: ٢٤٠] (أي الآية ٢٤٠) وتكملة الآية {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: ٢٤٠] قول ابن عباس ذكره البخاري في تفسير الآية.
[٦ - باب قصة فاطمة بنت قيس: لا نفقة لها ولا سكنى]
• عن فاطمة بنت قَيس، أن أبا عمرو بن حفص طلَّقها البتَّة - وهو غائب بالشام - فأرسلَ إليها وكيلَه بشعير، فسخطَتْه. فقال: والله ما لكِ علينا من شيء، فجاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرتْ ذلك له. فقال: "ليس لك عليه نفقة" وأمرها أن تعتدَّ في بيتِ أم