النسيء الذى كانوا يفعلونه. وبهذا قال مالك وأبو عبيدة. والثاني: أن الصفر دواب في البطن وهي دود، وكانوا يعتقدون أن في البطن دابة تهيج عند الجوع. وربما قتلت صاحبها. وكانت العرب تراها أعدى من الجرب. وهذا التفسير هو الصَّحيح. وبه قال مطرف وابن وهب وابن حبيب وأبو عبيد وخلائق من العلماء. وقد ذكره مسلم عن جابر بن عبد الله راوي الحديث فيتعين اعتماده، ويجوز أن يكون المراد هذا. والأوّل جميعًا، وأن الصفرين جميعًا باطلان لا أصل لهما.
قوله - صلى الله عليه وسلم - (ولاهامة) فيه تأويلان: أحدهما: أن العرب كانت تتشاءم بالهامة وهي الطائر المعروف من طير الليل، وقيل: هي البومة قالوا: كانت إذا سقطت على دار أحدهم رآها ناعية له نفسه أو بعض أهله وهذا تفسير مالك بن أنس. والثاني: أن العرب كانت تعتقد أن عظام الميت - وقيل: روحه- تنقلب هامة تطير، وهذا تفسير أكثر العلماء، وهو المشهور، ويجوز أن يكون المراد النوعين، فإنهما جميعًا باطلان فبين النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إبطال ذلك وضلالة الجاهليّة فيما تعتقده من ذلك. والهامة بتخفيف الميم على المشهور.
قوله - صلى الله عليه وسلم - (ولانوء) أي لا تقولوا: "مطرنا بنوء كذا" ولا تعتقدوه.
قوله - صلى الله عليه وسلم - (ولاغول) قال جمهور العلماء: كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات، وهي جنس من الشياطين، فتتراءى للناس، وتتغول تغولا أي تتلون تلونا، فتضلهم عن الطريق، فتهلكهم، فأبطل النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -.
وقال آخرون: ليس المراد بالحديث نفي وجود الغول، وإنما معناه إبطال ما تزعمه العرب من تلون الغول بالصور المختلفة واغتيالها. قالوا: ومعنى الا غول) أى لا تستطيع أن تضل أحدًا.
ويشهد له حديث آخر: "لا غول، ولكن السعالى" قال العلماء: السعالى بالسين المفتوحة والعين المهملتين وهم سحرة الجن أي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخيل. وفي الحديث الآخر: "إذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان" أي ارفعوا شرها بذكر الله تعالى، وهذا دليل على أنه ليس المراد نفي أصل وجودها. اهـ (انظر: شرح النوويّ على صحيح مسلم).
[٣٩ - باب اجتناب الصحيح من مخالطة المريض خشية الوقوع في الأوهام]
• عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يورد ممرض على مُصِحٍّ"
متفق عليه: رواه البخاريّ في الطب (٥٧٧١، ٥٧٧٤)، ومسلم في السّلام (٢٢٢١) كلاهما من طرق عن الزّهريّ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة فذكره.
وعند مسلم قصة طويلة في سكوت أبي هريرة عن حديث "لا عدوى"، وتقدمت عند حديث "لا عدوى"، وعند البخاريّ باختصار.
قال النوويّ في شرح صحيح مسلم: "قوله: "لا يورد ممرض على مصح" قوله "يورد" بكسر الراء و"الممرض والمصح" بكسر الراء والصاد، ومفعول يورد محذوف، أي لا يورد إبله