قبور، لا مُشرِفة ولا لاطئة، مبطوحةٍ ببطحاء العَرْصةِ الحمراء.
قال أبو علي اللؤلوي: يقال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقدم، وأبو بكر عند رأسه، وعمر عند رجليه، رأسه عند رجلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
أولًا: لأنه ضعيف. رواه أبو داود (٣٢٢٠) عن أحمد بن صالح، حدثنا ابن أبي فديك، أخبرني عمرو بن عثمان بن هانئ، عن القاسم فذكره.
وعمرو بن عثمان بن هاني المدني "مستور" كما في "التقريب"، وأما الحاكم فقال في "المستدرك" (١/ ٣٦٩): "صحيح الإسناد".
ثانيًا: على فرض صحة قول القاسم يحتمل أن يكون قبره - صلى الله عليه وسلم - لم يكن في أول الأمر مُسَنَّمًا، ثم لما بُني جدار القبر في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك صيروها مرتفعة، وقد روى أبو بكر الآجري في كتاب "صفة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق إسحاق بن عيسى ابن بنت داود بن أبي هند، عن غُنيم بن بسطام المديني قال: رأيت قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في إمارة عمر بن عبد العزيز فرأيتُه مرتفعًا نحوًا من أربع أصابع، ورأيت قبر أبي بكر وراء قبره، ورأيت قبر عمر وراء قبر أبي بكر أسفل منه، كذا في "الفتح".
ثالثا: قوله: "مسنما" لا ينافي قوله: "مبطوحه ببطحاء العرصة الحمراء" كما قال الحافظ ابن القيم في "زاده" (١/ ٥٢٤): "فقبرُه - صلى الله عليه وسلم - مُسَنَّم مبطوحٌ ببطحاء العَرْصةِ الحمْراءِ، لا مَنْبيٌّ ولا مطيَّنٌ، وهكذا كان قبر صاحيبه" انتهى.
قلت: وعليه يدل حديث جابر بن عبد الله الآتي.
• عن جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُلحِد، ونُصب عليه اللَّبنُ نَصْبًا، ورفع قبره من الأرض نحوًا من شبرٍ.
صحيح: رواه ابن حبان (٦٦٣٥)، والبيهقي (٣/ ٤١٠) كلاهما من طريق أبي كامل الجحدري، حدثنا الفُضيل بن سليمان، حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله فذكره. وإسناده صحيح.
ويستفاد منه أنه يستحب رفع القبر شبرًا عن الأرض ليتميز فيُصان ولا يُهان.
١٧ - باب إن الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء
• عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإنَّ صلاتكم معروضة عليَّ". قال: قالوا: يا رسول الله! كيف تُعرض صلاتنا عليك وقد أَرِمتَ؟ يقولون: بَليتَ؟ فقال: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ حرَّمَ على الأرض أجسادَ الأنبياء".