ووصف النار بأنها "موقدة" يفيد بأنها لا تزال مشتعلة غير خامدة.
وقوله:{الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} أي: تحرقهم إلى الأفئدة، وهم أحياء.
وقوله:{إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} يجوز أن تكون الصفة الثالثة لنار الله. وموصدة اسم مفعول من أوصد الباب إذا أغلقه غلقا محكما ومطبقا.
وقوله:{فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} في بمعنى الباء، أي: موصدة بعمد ممددة، قاله ابن مسعود، وهي في قراءته {بعمد ممددة}. وقال ابن عباس: إن العمد الممددة إغلال في أعناقهم. وكل هذه الأوصاف تفيد شدة الإغلاظ عليهم.
إن الله تعالى امتن على قريش خاصة، وأهل مكة عامة، بأنه صرف عنهم أصحاب الفيل، وهو أبرهة وأصحابه، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة، ومحو أثرها من الوجود، وقصدوا مكة ومعهم فيل عظيم كبير الجثة لم ير مثله، وكان قد بعثه إليه النجاشي ملك الحبشة، وكان معه أيضا عدد من الأفيال، فلما انتهى أبرهة إلى المغمس - وهو قريب من مكة - نزل به، وأغار جيشه على سرح أهل مكة من الإبل وغيرها، فأخذوه، وكان في السرح مائتا بعير لعبد المطلب، وكان الذي أغار على السرح بأمر أبرهة أمير المقدمة، وكان يقال له: الأسود بن مفصود، فهجاه بعض العرب - فيما ذكره ابن إسحاق - وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة، وأمره أن يأتيه بأشرف قريش، وأن يخبره أن الملك لم يجئ لقتالكم إلا أن تصدوه عن البيت، فجاء حناطة، فدل على عبد المطلب بن هاشم وبلغه عن أبرهة ما قال، فقال له عبد المطلب: والله! ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم، فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وإن يخل بينه وبينه، فوالله! ما عندنا دفع عنه، فقال له حناطة: فاذهب معي إليه، فذهب معه، فلما رآه أبرهة أجله، وكان عبد المطلب رجلا جسيما حسن المنظر. ونزل أبرهة عن سريره، وجلس معه على البساط،