وقوله: {لَكُمْ}: دليل على الانتفاع بما خلق اللَّه في السموات والأرض، واللَّه تعالى لا يمتن علينا بخلقه إلا أن يكون فيه نفع لنا، ففيه إشارة إلى الابتعاد عن كل ما فيه ضرر للإنسان سواء كان من الخبائث التي ورد تحريمها في النصوص، أو من الفساد الذي يدمر كوكب الأرض.
وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} أي قصد وأقبل، لأن الاستواء إذا تعدى بـ "إلى" فمعناه قصد، وإذا تعدى بـ "على" فمعناه ارتفع كما في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: ٥٤] وإذا ذكر بدون حرف يكون معناه الكمال والتمام كقوله تعالى عن موسى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص: ١٤].
وهنا ذكر بحرف "إلى" فمعناه إن اللَّه بعد أن خلق لكم ما في الأرض جميعًا لتنتفعوا بها قصد إلى خلق السماوات السجع مع شموسها، وأقمارها، ونجومها، وفضائها، ومن فيهنّ لتنتفعوا بها.
وقوله: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أي أنه يعلم احتياجكم ولذا خلق لكم ما في الأرض وما في السموات.
وهنا لا يقصد اللَّه سبحانه وتعالى أن يبين أدوار خلق الأرض والسماوات، بل المقصود فيه امتنانه على عباده بأن هذه المخلوقات خلقها اللَّه تعالى لينتفع بها الانسان.
١٨ - باب قوله: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠)}
هذا امتنان آخر على بني آدم بأن اللَّه جعل في الأرض خلقا يخلف بعضهم بعضًا، هذا الخلق قد يكون من جنس البشر وقد يكون من غيره كالجن والملائكة لتستمر عمارة الأرض إلى ما شاء اللَّه.
والخليفة: من يخلف، وليس المراد فيه آدم بعينه، ولو كان هو المراد لما نسب الملائكة الإفساد وسفك الدماء إليه.
وقوله: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} التسبيح معروف، والتقديس هو التنزيه والتعظيم مثل قولهم: سبّوح قدوس، وهو شامل لجميع أنواع العبادة لله تعالى من خضوع وخشوع وصلاة وغيرها.
• عن أبي ذر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سئل: أي الكلام أفضل؟ قال: "ما اصطفى اللَّه لملائكته أو لعباده: سبحان اللَّه وبحمده".
صحيح: رواه مسلم في الذكر والدعاء (٢٧٣١) عن زهير بن حرب، حدّثنا حبان بن هلال، حدّثنا وهيب، حدّثنا سعيد الجريري، عن أبي عبد اللَّه الجسري، عن عبد اللَّه بن الصّامت، عن أبي ذر فذكره.
وقوله: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠)}: بأن يكون من هذا الخليفة الأنبياء والصالحون وأنابهم