وما رُوي عن سعيد بن المسيب: "لا اعتكاف إلا في مسجد نبي" أي مسجد بناه نبيٌ. وقد روي عنه أيضًا بلفظ: "مسجد النبي" يعني مسجد المدينة.
كما رُوي عن عطاء: "لا يجاور إلا في مسجد مكة ومسجد المدينة" ولم ير الاعتكاف في مسجد إيلياء (بيت المقدس) كما رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (٨٠٢٠).
وفي هذا وفي الرواية الثانية عن سعيد أنهما لم يعملا بحديث حذيفة، ولعلهما اعتمدا على الحديث المشهور: "لا تشد الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة" سدَّا للذريعة لئلا يسافر أحدٌ للاعتكاف في غير المساجد الثلاثة كالمساجد الكبيرة في بعض المدن المشهورة آنذاك.
وأما المساجد التي يجوز فيها الاعتكاف ففي أصح أقوال أهل العلم: المسجد الجامع الذي تقام فيه الجماعة والجمعة حتى لا يحتاج المعتكف إلى تكرار الخروج مرة بعد أخرى إلا لحاجة لا بد منها. والله أعلم بالصواب.
٢ - اعتكاف النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عند أسطوانة التوبة
• عن ابن عمر، أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اعتكف طُرح له فراشُه وسريره إلى أسطوانة التوبة مما يلي القبلة، ثم يستند إليها.
حسن: رواه ابن خزيمة (٢٢٣٦)، والطبراني في "الكبير" (١٢/ ٣٨٥)، و "الأوسط" (٨٠٧١)، والفاكهي في "فوائده" (٩٧) ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (٥/ ٢٤٧) كلّهم من طريق عبد العزيز بن محمد (هو الدراوردي)، عن عيسي بن عمر بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر.
وفي إسناده عيسي بن عمر بن موسي بن عبيد الله بن معمر القرشي التيمي حجازي، ذكره ابن حبان في "الثقات" (٨/ ٤٨٩) وقال: "يروي المقاطيع". وقال الدارقطني: "معروف يعتبر به" كما في سؤالات البرقاني (٣٨٨). وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب": " مقبول" يعني حيث يتابع وإلا فلين الحديث، ولكنه لم يتابع عليه، بل تفرّد به.
وأما الدراوردي فلم يتفرّد به، بل تابعه عبد الله بن المبارك.
رواه ابن ماجه (١٧٧٤) من طريق نعيم بن حماد، حدثنا ابن المبارك، عن عيسي بن عمر بن موسي، به، فذكره، بمثل لفظ ابن خزيمة، وليس عندهما قوله: "مما يلي القبلة، ثم يستند إليها".
وفي إسناده نعيم بن حماد المروزي، صدوق يخطئ كثيرًا، كما في التقريب.
والحاصل أن مداره على عيسى بن عمر، لم يوثقه من يُعتبر بتوثيقه لكنه معروف كما قاله الدارقطني، وقد روى عنه جمعُ من الثقات، فحديثه يحتمل التحسين، والله أعلم.
وأما قول البوصيري في "مصباح الزجاجة" (٢/ ٤٣): " هذا إسناد صحيح رجاله موثقون" ففيه تساهل كما لا يخفي.
.