في هذه المساجد الثلاثة: مسجد المدينة، ومسجد مكة، ومسجد إيلياء.
وكذلك رواه أيضًا عبد الرزاق (٨٠١٤) عن الثوري، عن واصل الأحدب، عن إبراهيم، قال: جاء حذيفة إلى عبد الله، فقال: ألا أعجبك من ناس عكوف بين دارك ودار الأشعري؟ قال عبد الله: فلعلهم أصابوا وأخطأت. فقال حذيفة: ما أبالي أفيه أعتكف، أو في بيوتكم هذه؟ إنما الاعتكاف في هذه المساجد الثلاثة، مسجد الحرام، ومسجد المدينة، والمسجد الأقصى. وكان الذين اعتكفوا -فعاب عليهم حذيفة- في مسجد الكوفة الأكبر.
وكذلك رواه أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم، أنّ حذيفة قال لابن مسعود: ألا تعجب من قوم بين دارك ودار أبي موسى يزعمون أنهم معتكفون؟ قال: فلعلّهم أصابوا وأخطأت؟ أو حفظوا ونسيت! . قال: أما أنا فقد علمتُ أنه لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة.
رواه الطبراني في الكبير (٩/ ٣٠١) عن علي بن عبد العزيز البغوي، حدّثنا الحجاج بن منهال، حدثنا أبو عوانة، فذكره.
فهؤلاء الذين رووه موقوفًا على حذيفة أوثق من هشام بن عمار وهو الدمشقي الذي قال فيه ابن حجر في التقريب: "صدوق مقرئ، كبر فصار يتلقن، فحديثه القديم أصح".
وكذلك من محمود بن آدم المروزيّ وهو وإن كان روي عنه جمعٌ منهم البخاري إلا أني لم أقف على من وثّقه غير ابن حبان. فمثله إذا خولف لا يقبل.
ثم وقوع الشك في قوله: "المسجد الحرام" أو "في المساجد الثلاثة" أو "في مسجد الجماعة" فمثله لا يصدر عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فهو من حذيفة أو من دونه. فالظاهر أن الراوي لم يضبط لفظ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وهذا مما يضُعّف الاحتجاج به، ثم لو كان حذيفة حدّث به عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فما كان من عبد الله أن يخالفه.
ثم إنّ ابن مسعود يؤكد أن حذيفة أخطأ في قوله هذا، وأصاب من اعتكف في مسجد الكوفة.
وقد يكون وقع فيه النسخ وهو لا يدري. مال إليه الطحاوي في "مشكله".
وقد يكون من اجتهاده أيضًا مستشهدًا بقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد". ولكن الرواة أخطأوا فرفعوه.
والخلاصة فيه أن هذا الحديث لا يصح بوجه من الوجوه.
وترك العمل بهذا الحديث من جمهور السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في القرون المفضلة، وعدم اشتهاره فيما بينهم دليل على عدم صحته، ولو كان هذا الحديث معروفًا لنقُل في الكتب المعتمدة من السنن والمسانيد المشهورة، وإنّما عُرف في القرون المتأخرة في عصر الطحاوي. وأما ما نُقل في سنن سعيد بن منصور فهو مشكوك في لفظه.
وأما ما جاء في المصنفات مثل ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق فهو موقوف على حذيفة، وهو محمول على أنه اجتهاد منه.