قال الترمذيّ: "حسن صحيح".
وابن لهيعة قد تُوبع، وقد رواه عنه ابن المبارك، كما رواه أيضًا ابنُ وهب عنه في القدر (٢٨)، والفريابي في القدر (١٥٣)، والبيهقيّ في القضاء والقدر (٢/ ٥٢٣) عن اللّيث وحده، بهذا الإسناد.
قلت: إسناده حسن من أجل قيس بن الحجاج -وهو الكلاعي السلفي- روى عنه جمع، وقال أبو حاتم: صالح، وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال فيه الحافظ: "صدوق". وأما حنش الصنعانيّ فهو ثقة، وقد توبع كما يأتي النّقل عن ابن رجب.
وهذا الإسناد أصح ما جاء به هذا الحديث، وللحديث طرق أخرى كثيرة عن ابن عباس غير أنّ ما ذكرته هو أصحها.
قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (١/ ٤٦٠ - ٤٦١): "وقد رُوي هذا الحديث عن ابن عباس من طرق كثيرة من رواية ابنه علي، ومولاه عكرمة، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه، وعمر مولى غُفرة، وابن أبي مليكة وغيرهم. وأصح الطّرق كلّها طريق حنش الصّنعانيّ التي خرّجها الترمذيّ".
قلت: وخرّج أحاديث بعض هؤلاء الفريابيُّ في القدر (١٥٤، ١٥٥، ١٥٦، ١٥٨)، وأخرجه الحاكم (٣/ ٥٤١) من وجه آخر عن ابن عباس، وفيه: "وإذا استعنتَ فاستعنْ باللَّه، قد مضى القلم بما هو كائن، فلو جهد النّاسُ أن ينفعوك بما لم يقضه اللَّه لك لم يقدروا عليه، ولو جهد النّاسُ أن يضرُّوك بما لم يكتبه اللَّه عليك لم يقدروا عليه، فإن استطعتَ أن تعمل بالصّبر مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فاصبر، فإنّ في الصبر على ما تكرهه خيرًا كثيرًا، واعلم أنّ مع الصّبر النّصر، واعلم أنّ مع الكرب الفَرَج، واعلم أن مع العسر اليسر".
قال الحاكم: "هذا حديث كبير عال من حديث عبد الملك بن عمير، عن ابن عباس، إلّا أنّ الشّيخين لم يخرّجا شهاب بن خراش، ولا القداح في الصّحيحين، وقد رُوي الحديث بأسانيد عن ابن عباس غير هذا". انتهى
وتعقّبه الذهبي فقال: "القداح قال أبو حاتم: متروك، وعبد الملك لم يسمع من ابن عباس فيما أرى".
ثم رواه الحاكم أيضًا من وجه آخر، وفيه عيسى بن محمد القرشي، قال فيه الذّهبي: "ليس بمعتمد". فالذي يظهر من صنيع الحاكم أنه لم يقف على الطّريق الأول، وهو أولى أن يذكره، واللَّه أعلم.
٤٣ - باب في نسم بني آدم من أهل الجنّة وأهل النّار
• عن أبي ذر، قال: إنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فُرج عن سقف بيتي، وأنا بمكة، فنزل جبريل فَفَرَجَ صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانًا، فأفرغه في صدري، ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعُرج بي إلى السّماء الدّنيا،