قوله: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} هو القرآن الكريم.
وقوله: أي من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان، بأن هيأ الله تعالى أسباب حفظه، فجعله أولا ثابتا في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أصحابه، فحفظه عدد لا يحصى من الصحابة عن ظهور قلوبهم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعد وفاته، وعن الصحابة تواتر حفظه في جميع البلاد الإسلامية، واستمر ذلك إلى يومنا هذا. هكذا أراد الله تعالى أن يبقى كتابه محفوظا إلى يوم القيامة بخلاف الكتب الأخرى، فإن الله تعالى لم يضمن لها حفظها، ولم يرد لها البقاء إلى يوم القيامة، ولذا وقع فيها ما وقع من التبديل والتحريف والضياع.
حكى القاضي عياض في المدارك أن القاضي إسماعيل بن إسحاق بن حماد المالكي البصري سئل عن السر في تطرق التغيير للكتب السابقة وسلامة القرآن من ذلك، فأجاب بأن الله أوكل للأحبار حفظ كتبهم، فقال:{بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ}[سورة المائدة: ٤٤] وتولى حفظ القرآن بذاته تعالى، فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)}.
وذكر القرطبي في تفسيره (١٠/ ٥ - ٦) عن يحيى بن أكثم قال: كان للمأمون - وهو أمير إذ ذاك - مجلس نظر، فدخل في جملة الناس رجل يهودي حسن الثوب حسن الوجه طيب الرائحة، قال: فتكلم فأحسن الكلام والعبارة، قال: فلما أن تقوض المجلس دعاه المأمون، فقال له: إسرائيلي؟ قال نعم. قال له: أسلم حتى أفعل بك وأصنع، ووعده. فقال: ديني ودين آبائي! وانصرف. قال: فلما كان بعد سنة جاءنا مسلما، قال: فتكلم على الفقه، فأحسن الكلام، فلما تقوض المجلس دعاه المأمون، وقال: ألست صاحبنا بالأمس؟ قال له: بلى. قال: فما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفت من حضرتك، فأحببت أن أمتحن هذه الأديان، وأنت مع ما تراني حسن الخط، فعمدت إلى التوراة، فكتبت ثلاث نسخ، فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الكنيسة، فاشتُريت مني. وعمدت إلى الإنجيل، فكتبت ثلاث نسخ، فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها البيعة، فاشتُريت مني، وعمدت إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ، وزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الوراقين، فتصفحوها، فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها، فلم يشتروها، فعلمت أن هذا كتاب محفوظ، فكان هذا سبب إسلامي.