وروى مالكٌ في الجمعة (١١) عن ابن شهابٍ أنَّه كان يقول: "من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أُخرى". قال ابن شهابٍ "وهي السنَّة".
فالذي يظهر أنّ لفظ "الجمعة" في هذا الحديث من تفسير الزهري، وليس بمرفوع، وهو تفسير متَّجه. قال أبو بكر بن خزيمة. عقب ذكره الحديثَ بلفظ:"من أدرك من صلاة الجمعة ركعةً فقد أدرك الصلاةَ"- قال:"هذا خبرٌ رُوي على المعنى، لم يُؤَدَّ على لفظ الخبر، ولفظ الخبر: "من أدرك من الصلاة ركعةٌ" فالجمعة من الصلاة أيضًا كما قاله الزهري" انتهى.
وقوله:"وهي السنة" أي أنّ مَنْ أدرك أقلّ من ركعة فليصلِّها ظهرًا، وبه قال جمهور أهل العلم مالك والشافعي وأحمد والثوريّ والأوزاعيّ وغيرهم، وجمع من الصّحابة والتّابعين.
[٥ - باب ما جاء في الجمعة في اليوم المطير]
• عن ابن عباس، أنَّه خطب في يوم ردْغٍ، فلمَّا بلغَ المؤذِّن:"حيَّ على الصلاةِ" فأمره أن يُنادي: "الصلاةُ في الرحالِ". فنظر القوم بعضهم إلى بعضٍ. فقال:"فعل هذا من هو خير منه، وإنَّها عَزْمُةٌ".
متفق عليه: رواه البخاري في الأذان (٦١٦) ومسلم في صلاة المسافرين (٦٩٩) كلاهما من طريق حمَّاد بن زيدٍ، عن أيوب، وعبد الحميد صاحب الزيادي، وعاصم الأحول، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس، فذكره. واللفظ للبخاري.
ورواه أيضًا البخاري في الجمعة (٩٠١) ومسلم كلاهما من طريق إسماعيل ابن علية، قال: أخبرني عبد الحميد صاحب الزيادي، قال: حدثنا عبد الحميد بن الحارث ابن عمِّ محمد بن سيرين، قال ابن عباس لمؤذنه في يوم مطيرٍ:"إذا قلتَ: أشهد أنَّ محمدًا رسول الله فلا تقل: حيَّ على الصلاة. قل: صلُّوا في بيوتكم". فكأنَّ الناسَ استنكروا. قال:"فعله من هو خير منِّي، إنَّ الجمعةَ عزْمَة، وإنِّي كرهتُ أن أُحرجَكم فتمشون في الطين والدَّحض. واللفظ للبخاري. ونحوه لفظ مسلم أيضًا.
قوله: "في يوم ردغٍ" الردغُ: الماء والطين.
وقوله: "إنَّ الجمعةَ عزْمةٌ" بإمكان الزاي: أي واجبةٌ متحتّمة، فلو قال المؤذن: "حيَّ على الصلاةِ" لكُلِّفتم المجيءَ إليها ولحقتكم المشقَّة.
والردغ -بفتح الراء، وإسكان الدال المهملة، بعدها غين معجمة- بمعنى الدحض. ورواه بعض رواة مسلم: "رزغ" -بالزاي- وهو الصحيح أيضًا، وهو بمعنى الردغ، وقيل: هو المطر