قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بهذه السياقة، وعتيق بن يعقوب شيخ قرشي من أهل المدينة".
فلما بلغه حديث أبي سعيد الخدري وعبادة بن الصامت، وغيرهما رجع عما كان يفتي به.
وروى ذلك أيضًا الحازمي في كتابه "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" (ص ١٦٦ - ١٦٧) عن أبي سعيد الرقاشي قال: إن عكرمة مولى ابن عباس قدم البصرة، فجلسنا إليه في المسجد الجامع، فقال: ألا تنهون شيخكم هذا -يعني الحسن بن أبي الحسن- يزعم أن ما تبايع به المسلمون يدا بيد، الفضة بالفضة، والذهب بالذهب، والزيادة فيه حرام، فأنا أشهد أن ابن عباس أحله. فقال أبو سعيد الرقاشي: فقلت: ويحك! أما تعلم أني كنت جالسا عند رأسه، وأنت عند رجليه، فجاءه رجل، فقال: عليك. فقلت: ما حاجتك؟ فقال: أردت أن أسأل ابن عباس عن الذهب بالذهب، فقلت: اذهب؛ فإنه يزعم أنه لا بأس به، فكشف عمامته عن وجهه، ثم جلس ابن عباس، فقال: "أستغفر اللَّه، واللَّه ما كنت أرى إلا أن ما تبايع به المسلمون من شيء يدا بيد إلا حلالا، حتى سمعت عبد اللَّه بن عمر، وعمر بن الخطاب حفظا من ذلك عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما لم أحفظ، فأستغفر اللَّه".
وأما ما روي عن سعيد بن جبير أنه لم يرجع عن قوله في الصرف حتى مات. فهو ضعيف مخالف لما ثبت من رجوعه عن الصرف، فلا يلتفت إليه.
وأما حديث أسامة "لا ربا إلا في النسيئة" فبعد صحة إسناده إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لكونه في الصحيحين لا بد من تأويله؛ لأن المسلمين أجمعوا على ترك العمل بظاهره.
فمن جملة تأويلاته ما قاله الإمام الشافعي: قد يكون أسامة بن زيد سمع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يسأل عن الصنفين المخلفين مثل الذهب بالورق، والتمر بالحنطة، أو ما اختلف جنسه متفاضلا يدا بيد، فقال: "إنما الربا في النسيئة". أو تكون المسألة سبقته بهذا فأدرك الجواب، ولم يحفظ المسألة أو شك فيها. انظر "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" (ص ١٦٦).
ومنها أن حديث أسامة مجمل، وحديث عبادة بن الصامت وأبي سعيد الخدري وغيرهما مبين، فوجب العمل بالمبين، وتنزيل المجمل عليه. هذا جواب الشافعي -رحمه اللَّه- أيضًا. انظر شرح النووي على مسلم (١١/ ٢٥).
وفي الموضوع تفاصيل أخرى، ذكرتها في "كتاب المدخل إلى السنن الكبرى" (١/ ٤ - ٩)، وكذلك في "المنة الكبرى" (٥/ ٤١ - ٥٩)، فإني ذكرت فيها كثيرا من التفاصيل عن الربا.
[١٣ - باب جواز بيع الذهب بالفضة أو العكس إذا كان يدا بيد]
• عن أبي المنهال. قال: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف،