إن الله عَزَّ وَجَلَّ عرض الأمانة - وهي التكليف الاختياري بامتثال الأوامر واجتناب النواهي - على السموات والأرض والجبال عرض تخيير بأنها إنْ قبلت وتحمّلتْ فأحسنتْ وقامتْ بأدائها على وجهها أثيبتْ عليها وجوزيتْ، وإنْ ضيّعتْ ولم تؤدّ ما تحمّلتْ والتزمت عوقبت على ذلك، فخافت السموات والأرض والجبال مع عظمتها أن لا يقمن بأدائها فأبين عن حملها، ولكنْ حمَلها الإنسانُ مع ضعَّفه وجهله، وأمّا الانقياد الكوني فالسموات والارض والجبال وجميع ما في السموات والأرض فكلها منقادة لأمر الله عَزَّ وَجَلَّ.
وفي هذه الآية الكريمة دليل على أن الإنسان وحده يقوم بإعمار الأرض؛ لأنه تحمل هذه المسؤولية، ولكنه وصف بالظلوم؛ لأنه إذا لم يراقب الله في السرّ والعلن، ولم يأتمر بأمره فلا يؤمن أن لا يحصل منه الظلم للآخرين، لذا أرسل الله الأنبياء لتذكيره وإصلاحه وتهذيبه.
وكذلك وصف الإنسان بالجهل لأن العلم لا نهاية له، فمهما بلغ الإنسان من العلم، فإن وراءه علم لا يزال يجهله، وفيه حثّ على استمرار بزيادة العلم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كونه يُحي إليه ومع ذلك أمر أن يقول: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (١١٤)} [طه: ١١٤].