قال الخطابي: كان الإمام أحمد يرخص للجنب أن يقرأ الآية ونحوها، وكان يوهن حديث عليّ هذا، ويضعف أمر عبد الله بن سلمة، وكذلك قال مالك في الجنب: إنه يقرأ الآية ونحوها، وقد حكي عنه أنه قال: تقرأ الحائض ولا يقرأ الجنب؛ لأن الحائض إذا لم تقرأ نسبت القرآن؛ لأن أيام الحيض تتطاول، ومدة الجنابة لا تطول. وروي عن ابن المسيب وعكرمة أنهما لا يريان بأسا بقراءة الجنب القرآن. وأكثر العلماء على تحريمه. انتهى كلامه.
وقال الترمذي عقب حديث ابن عمر - "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن" -: هو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم، مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق. قالوا: لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئًا، إلا طرف الآية والحرف ونحو ذلك، ورخصوا للجنب والحائض في التسبيح والتهليل. انتهى.
وهذا الذي جرى عليه أهل العلم فمنعوا للحائض أن تقرأ القرآن إلا لحاجة.
وقد سئل فضيلة الشيخ العثيمين رحمه الله عن قراءة القرآن للحائض فأجازها عند الحاجة، منها: الأوراد كآية الكرسي والآيتين الآخرتين من سورة البقرة، وقل هو الله أحد، والمعوذات، وغيرها مما ورد من الأوراد.
ومن الحاجة: أن تخاف نسيانه فتقرأه ولا بأس.
ومن الحاجة: أن تكون معلِّمة تعلِّمُ القرآن ولو كانت حائضًا ولا بأس.
ومن الحاجة: أن تكون متعلَّمة فتُسْمعُ القرآن معلمتها.
[١٢ - باب استعمال فضل الوضوء]
• عن أبي جحيفة يقول: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالهاجرة، فأُتِي بوَضُوء فتوضأ، فجعل الناس يأخذون من فضل وَضوئه، فيتمسحون به، فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، وبين يديه عنزة.
متفق عليه: رواه البخاري في الوضوء (١٨٧)، وبوّب بقوله: "استعمال فضل وَضوء الناس".
من حديث شعبة قال: ثنا الحكم، قال: سمعتُ أبا جحيفة فذكره.
وفي رواية عند البخاري في الصلاة (٣٧٦) ومسلم في الصلاة (٥٠٣) من طريق عُمر بن أبي زائدة، عن عون بن أبي جُحيفة أن أباه قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قبة حمراء من أدم، ورأيت بلالًا أخذ وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء؛ فمن أصاب منه شيئًا تمسّح به، ومن لم يُصب منه شيئًا أخذ من بلل يد صاحبه، ثم رأيت بلالا أخذ عنزة فركزها، وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في حلة حمراء مشمِّرا، صلى إلى العنزة بالناس ركعتين، ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة".