للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم قال الذهبيّ: "هذا مشهور من قول مجاهد، ورُوي مرفوعًا وهو باطل".

قلت: وقد رُوي عن مجاهد من عدّة طرق: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: يجلسُه معه على عرشه.

أخرجه الآجريّ في الشّريعة (٤/ ١٦١٤ - ١٦١٧)، والخلّال في السنة (١/ ٢١٢ - ٢١٣)، وابن جرير في تفسيره.

وأسانيدها كلّها ضعيفة أو منقطعة، وليس فيها شيء من المرفوع أصلًا.

قال القرطبيّ في "التذكرة" (٢/ ٦٠٥) بعد أن ذكر قول مجاهد: "هذا قول مرغوب عنه، وإن صحّ فيتأول على أنّه يجلسه مع أنبيائه وملائكته".

وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (٧/ ١٧٥) بعد أن نقل قول مجاهد في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [سورة القيامة: ٢٢] قال: تنتظر الثّواب، وليس من النّظر: "مجاهد وإن كان أحد المقدّمين في العلم بتأويل القرآن فإنّ له قولين في تأويل آيتين هما مهجوران عند العلماء مرغوب عنهما. أحدهما هذا، والآخر في قول اللَّه عزّ وجلّ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: "يوسّع له العرش فيجلسه معه". وهذا قول مخالف للجماعة من الصّحابة، ومن بعدهم، فالذي عليه العلماء في تأويل هذه الآية أنّ المقام المحمود: الشّفاعة، والكلام في هذه المسألة من جهة النظر يطول". انتهى

وقال الحافظ الذهبيّ في العلو (٢/ ١٠٨١): "أمّا قضية قعود النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على العرش فلم يثبت في ذلك نصّ، بل في الباب حديث واه. وما فسَّر به مجاهد للآية كما ذكرنا فقد أنكره بعض أهل الكلام، فقام المروزيّ وقعد، وبالغ في الانتصار لذلك، وجمع كتابًا، وطرق قول مجاهد.

قال: فممن أفتى في ذلك العصر بأنّ هذا الأثر يُسلَّم ولا يعارَض أبو داود السّجستانيّ صاحب السنن، وإبراهيم بن الحربي وخلق، بحيث إن ابن الإمام أحمد قال عقيب قول مجاهد: أنا منكر على كلّ من ردّ هذا الحديث، وهو عندي رجل سوء متهم، سمعتُه من جماعة، وما رأيت محدِّثا ينكره، وعندنا إنما تُنكره الجهميّة".

ثم قال: إنّ الفقيه أبا بكر أحمد بن سلمان النّجاد المحدّث قال: فيما نقله عنه القاضي أبو يعلى الفراء: "لو أنّ حالفًا حلف بالطّلاق ثلاثًا: إنّ اللَّه يقعد محمّدًا على العرش، واستفتاني لقلت له: صدقت وبررت".

وعلّق عليه الذهبي قائلًا: "فأبصر -حفظك اللَّه من الهوى- كيف آل الغلو بهذا المحدّث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر، واليوم فيردون الأحاديث الصّريحة في العلو، يحاول بعض الطغام أن يرد قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [سورة طه: ٥] ".

قال الشّيخ الألبانيّ رحمه اللَّه تعالى: "ومن العجائب التي يقف العقل تجاهها حائرًا أن يفتي بعض العلماء من المتقدّمين بأثر مجاهد هذا كما ذكره الذّهبيّ". ثم ذكر الخبر المذكور. انظر:

<<  <  ج: ص:  >  >>