والثاني: تساوي الروايات قوةً وضعفا لا يمكن ترجيح بعضها على بعض سواء من حيث الرواية أو من حيث بيان الناسخ والمنسوخ.
يعني لا يمكن الجمع ولا الترجيح فيحكم عليه بالاضطراب، لأن كثرة الطرق أحيانا لا يزيد إلا ضعفا، وهو نوع من الحديث الضعيف فإن الحديث المضطرب لا يعمل به ويقع الاضطراب في السند كما يقع في المتن.
والاضطراب في السند مثل تعارض الوصل والإرسال، وتعارض الوقف والرفع، ومثل تحديد اسم الراوي، أو تحديد اسم الصحابي.
وأما الاضطراب في المتن فله صور كثيرة لا يمكن ضبطها، ولكل منهج في الحكم على المتن بالاضطراب، ولذا كثر النقاش بين الباحثين في إثبات الاضطراب وعدمه.
ومثال الاضطراب في الإسناد حديث مجاهد، عن سفيان بن الحكم الثقفي -أو الحكم بن سفيان الثقفي- قال:"كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا بال يتوضأ، ويتنضح".
هذا الحديث اضطرب فيه منصور عن مجاهد من عشرة وجوه لا يمكن الجمع بين هذه الوجوه، ولذا حكم عليه بالاضطراب، وأما الشواهد فإما معلولة، وإما فيها شذوذ، ومن أشهرها حديث ابن عباس.
رواه الدارمي (٧١٥)، والبيهقي (١/ ١٦٢) كلاهما من حديث قبيصة، أنبأ سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس قال:"دعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بماء، وتوضأ مرة مرة، ونضح".
هذا الإسناد ظاهرة السلامة، ولكن فيه علة، وهي أن قبيصة تفرد بقوله:"ونضح"، ورواه جماعة عن سفيان دون هذه الزيادة كما قاله البيهقي.
يعني أنه شاذٌّ. وتفصيله في الجامع الكامل في صفة وضوء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
تنبيه: في السنن الكبرى: "قال الإمام أحمد" فظنّ بعض الناس أنه الإمام أحمد ابن حنبل المعروف، والصحيح أنه الحافظ البيهقي نفسه، لأن اسمه أحمد بن حسين. وهذا التعبير من رواة السنن، وأما البيهقي إذا نقل قول الإمام أحمد المعروف فيسمّيه كاملا أي قال أحمد بن حنبل، أو قال ابن حنبل، فيجب التنبيه على كل من ينقل من السنن الكبرى، قال الإمام أحمد المقصود منه الإمام الحافظ البيهقي.