للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأشفقتُ إن اغتسلتُ أن أهلِكَ، فتيممتُ، ثم صلَّيتُ بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا عمرو! صليت بأصحابك وأنت جُنُب؟ ". فأخبرتُه بالذي منعني من الاغتسال، وقلتُ: إني سمعت الله يقول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [سورة النساء: ٢٩] فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئًا.

صحيح: أخرجه أبو داود (٣٣٤، ٣٣٥) قال: حدَّثنا ابن المثنى، أخبرنا وهب بن جرير، أخبرنا أبي، قال: سمعت يحيى بن أيوب، يحدث عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص، فذكر الحديث.

قال أبو داود: عبد الرحمن بن جبير مصري مولي خارجة بن حذافة، وليس هو ابن جبير بن نفير.

قلت: رجاله ثقات وصحَّحه الحاكم (١/ ١٧٧) فقال: صحيح على شرط الشيخين .. ، إلَّا أنَّ في الإسناد انقطاعًا كما قال البيهقي في الخلافيات - مختصر الخلافيات (١/ ٣٥٩): هذا مرسل، لم يسمعه عبد الرحمن من عمرو، والذي رُويَ عن عمرو في هذه القِصَّة متصلًا ليس فيه ذكر التيمُّم.

رُويَ عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبي قيس مولي عمرو بن العاص، أن عمرو بن العاص كان على سريَّةً، وأنَّه أصابهم بردٌ شديدٌ، لم ير مثله، فخرج لصلاة الصبح، فقال: والله! لقد احتلمت البارحة، ولكني والله! ما رأيت بردًا مثل هذا، هل مرَّ على وجوهكم مثله؟ قالوا: لا. فغسل مغابنه، وتوضَّأ وضوءه للصلاةِ ثمَّ صلَّى بهم، فلما قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سأل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف وجدتم عَمرًا وصحابته؟ فأثنوا عليه خيرًا وقالوا: يا رسول الله صلى بنا وهو جنبٌ. فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عمرو، فيسأله، فأخبره بذلك وبالذي لقي من البرد، فقال: يا رسول الله! إنَّ الله تعالى يقول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: ٢٩]، ولو اغتسلت متُّ. فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عمرو.

ومن هذا الطريق رواه أبو داود، قال: حدَّثنا محمد بن سلمة، ثنا ابن وهب، عن ابن لهيعة، وعمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير .. فذكر الحديث، إلَّا أنَّ أبا داود كأنَّه يُرجح الرواية التي فيها ذكر التيمم، فقال: ورُويَ هذه القصَّة عن الأوزاعي، عن حسَّان بن عطيَّة، قال فيه: فتيمَّم. وبه بوَّب في سننه. وهو الذي ذكره البخاري معلَّقًا .. (الفتح ١/ ٤٥٤).

وأخرج الإمام أحمد (١٧٨١٢) من طريق ابن لهيعة قال: ثنا يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص، وفيه: "فتيمَّمت ثم صلَّت".

ولكن من الممكن الجمع بين رواية التيمم، ورواية الوضوء، بدلًا من ترجيح إحداهما على الأخرى، وإليه ذهب البيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ٢٢٦) فقال: يحتمل أن يكون قد فعل ما نقل في الروايتين جميعًا؛ غسل ما قدر على غسله، وتيمَّم للباقي .. وأيَّده النووي قائلًا: وهذا الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>