وقوله:"فترة الوحي" يعني احتباسه وعدم تتابعه وتواليه في النزول، ورد عن ابن عباس أنّها دامت أربعين يومًا، ولكن ذهب السهيليّ في "الرّوض الأنف"(٢/ ٤٣٣) إلى أن مدّة الفترة سنتان ونصف، انظر للمزيد فتح الباري (١/ ٢٧).
وأما ما ذكره البخاريّ في كتاب التعبير (٦٩٨٢) من طريق معمر، عن الزهريّ قال: حزن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما بلغنا حزنًا غدا منه مرارًا كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلَّما أوفَى بذروة جبل لكي يُلقي منه نفسَه تبدَّى له جبريل فقال: يا محمّد إنّك رسول اللَّه حقًّا فيسكن لذلك جأشُه وتقر تفسُه فيرجع. . . الخ. فهو من بلاغات الزهري غير موصول. وسيأتي الكلام عليه في السيرة النبوية.
وقد رواه ابن سعد (١/ ١٩٦) موصولًا من وجه آخر قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن أبي موسى، عن داود بن الحصين، عن أبي غطفان بن طريف، عن ابن عباس قال: لما نزل عليه الوحي بحراء، مكث أيامًا لا يرى جبريل، فحزن حُزنًا شديدًا، حتى كان يغدو إلى ثبير مرةً، وإلى حراء مرةً يريد أن يلقي نفسه منه، فبينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كذلك عامدًا لبعض تلك الجبال إلى أن سمع صوتا من السماء فوقف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صعقا للصوت، ثم رفع رأسَه فإذا جبريل على كرسي بين السماء والأرض متربِّعًا عليه يقول: يا محمد! أنت رسولُ اللَّه حقًّا وأنا جبريل. قال: فانصرف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد أقرَّ اللَّه عينه ورَبَط جأشه ثم تتابع الوحي بعد وحَمِي.
ومحمد بن عمر هو الواقديّ متهم بالوضع، وفي التقريب:"متروك مع سعة علمه".
وإبراهيم بن محمد بن أبي موسى أشدّ ضعفًا منه، وقد كذّبه ابن المديني وغيره، وهو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، ولعلّ الواقديّ دلَّسه فجعله إبراهيم بن محمد بن أبي موسى أو تحرّف على الناسخ.
والخلاصة: أن هذه القصة مختلفة، لا ينبغي التحديث بها إلّا لكشف حالها من الوضع؛ لأنه لا يليق بالنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو معصوم أن يحاول قتل نفسه بالتردي من الجبل مهما كان الدّافع له على ذلك، فيجب الإنكار على هذه القصة المختلفة والموضوعة وباللَّه التوفيق.
• عن يحيى بن أبي كثير يقول: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن: أيّ القرآن أنزل قبل؟ قال:{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}. فقلت: أو {اقْرَأْ}[سورة العلق: ١]؟ . فقال: سألت جابر بن عبد اللَّه: أي القرآن أنزل قبل؟ قال:{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}. فقلت: أو {اقْرَأْ}؟ قال جابر: أحدّثكم ما حدّثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "جاورت بحراء شهرًا، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي، فنُوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أرَ أحدًا، ثم نُوديتُ فنظرتُ فلم أر أحدًا، ثم نُوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء (يعني جبريل) فأخذتني رجفةٌ شديدة، فأتيتُ