قام إلى الركعة الثانية، فلمّا قَضَى صلاتَه أقبَلَ إلى قومه بوجهه، فقال: احفُظُوا تكبيريّ، وتعلَّموا ركوعي وسجوديّ، فإنها صلاةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي كان يُصلِّي لنا كَذِي الساعة من النهار. ثمّ إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قَضَى صلاته أَقبلَ إلى الناس بوجهه فقال:"يا أَيُّها النَّاسُ! اسمَعُوا واعْقِلُوا، واعلَمُوا أنَّ لله عِبَادًا ليسوا بأنبياء ولا شُهداء يَغْبِطُهم النبيُّون والشُّهداء على مَجالِسِهم وقُرْبهم من الله"، فجَثى رجلٌ من الأعراب من قاصِيَة الناس وألْوَى بيده إلى نبيِّ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا نبيَّ الله! ناسٌ من الناس، ليسوا بأَنبياءَ ولا شُهداءَ، يَغبِطهم الأنبياءُ والشهداءُ على مجالسهم وقُربِهم من الله؟ ! انعَتْم لنا حِلِّهم لنا - يعني: صِفْهُم لنا، شكلْهم لنا - فسُرَّ وَجْهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لسؤال الأعرابيّ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هم ناسٌ من أفْناء النَّاس ونَوازع القَبَائِل، لم تَصِلْ بينهم أرحامٌ مُتَقَارِبَةٌ تَحَابُّوا في الله وَتَصَافَوْا، يَضَعُ الله لهم يومَ القِيامَةِ مَنَابِرَ من نُورٍ، فيُجلِسُهم عليها فيَجْعَلُ وَجُوهَهم نُورًا وثِيابَهم نورًا، يَفْزَعُ النَّاسُ يومَ القِيَامَةِ ولا يَفْزَعُون، وهم أَوليَاءُ الله الَّذِينَ لا خَوْفٌ عليهم ولا هم يَحْزَنُون".
حسن: رواه الإمام أحمد (٢٢٩٠٦) عن أبي النضر، حَدَّثَنَا عبد الحميد بن بهرام الفَزاريّ، عن شهر بن حوشب، حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن غَنْمّ، أن أبا مالك الأشعري جمع قومه فذكر الحديث مثله.
قال الهيثميّ في "المجمع"(٢٧٨٨) وفي رواية عنده: فصلَّى الظهر فقرأ بفاتحة الكتاب، وكبَّر اثنتين وعشرين تكبيرة، وفي رواية: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه كان يُسَوِّي بين الأربع ركعاتٍ في القراءة والقيام، ويجعل الركعة الأوّلى هي أطولهن لكي يثوبَ الناس، ويُكبِّر كلما سجد، وكلما ركع، ويُكبِّر كلما نهض بين الركعتين إذا كان جالسًا.
قال: رواها كلها أحمد، وروى الطبرانيّ بعضها في الكبير، وفي طرقها كلها: شهر بن حوشب، وفيه كلام وهو ثقة إن شاء الله. انتهى.
قلت: وهو كما قال، فإن شهر بن حوشب ليس بمتهم، ولا فاحش الغلط، وقد وثَّقه ابن معين والعجلي ويعقوب بن شية، وقال الإمام أحمد: ليس به بأس، وقال عثمان الدَّارميّ: بلغني أن أحمد كان يُثنى على شهر.
وقال الترمذيّ:"قال أحمد: لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر، وقال عن البخاريّ: شهر من الحديث، وقوي أمره".
قلت: مثله يحسن حديثه إذا لم يأت ما ينكر عليه. وسبق تخريج هذا الحديث باختصار في كتاب الوضوء، باب صفة وضوء النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
ومن أحاديث افتاح الصّلاة بالتكبير: قول النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "تحريم الصّلاة التكبير، وتحليلها التسليم".