أعلم مالكُ بن الحويرث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه إذا كبَّر في الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، ففي هذا ما دَلَّ على أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد أمر برفع اليدين، إذا أراد المصلي الركوعَ، وإذا رفع رأسه من الركوع".
وأمّا ما جاء في مسند أحمد (١٥٦٠٠)، والنسائي (١٠٨٦، ١٠٨٧) من طريق محمّد بن عدي، عن شعبة عند النسائيّ - وهو خطأ، والصواب: عن سعيد وهو ابن أبي عروبة كما عنده في الرواية الثانية.
وكذا عند أحمد (وحقق ذلك المعلقون على مسند أحمد (٣٤/ ١٥٩) فراجعه - عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث. وزاد فيه: "وإذا سجد، ورفع رأسه من سجوده حتى يحاذي بهما فروع أذنيه".
وكذلك زاده هشام الدستوائيّ، عن قتادة بإسناده، وفيه: "وإذا رفع رأسه من السجود فعل مثل ذلك" أخرجه النسائي.
وبوّب عليه النّسائي بقوله: "باب رفع اليدين للسجود" وذكر فيه هذا الحديث، لكن أعقبه بباب بعده: "باب ترك رفع اليدين عند السجود" فجعل آخر الأمرين ترك رفع اليدين عند السّجود، وذكر فيه حديث ابن عمر: "وكان لا يفعل ذلك في السّجود".
وله باب آخر باسم: "باب رفع اليدين عند الرفع من السجدة الأولى". وأورد فيه حديث هشام عن قتادة. ثم أعقبه بباب بعده: "باب ترك ذلك بين السجدتين" وذكر فيه حديث ابن عمر المشار إليه قبله.
إلا أن هذه الزيادة في رواية هشام لم يذكرها ابن ماجه (٨٥٩) ولا أحمد (٢٠٥٣٥) مع أنهما أخرجاه أيضًا عن هشام الدستوائيّ.
فإما أن نقول: إن هذه الزيادة شاذة مخالفة لرواية الجماعة أو نقول: لعلّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان فعل ذلك بعض المرات، ولم يكن من دأبه لنفي عبد الله بن عمر ذلك، وكان من أحرص الناس على اتباع فعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -.
وعليه يدل قول البخاريّ في "جزء رفع اليدين" (٩٨): "والذي يقول كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه عند الركوع وإذا رفع رأسه من الركوع وما زاد على ذلك أبو حميد في عشرة من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. كان يرفع يديه إذا قام من السجدتين كلّه صحيح لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فيختلفوا في تلك الصلاة بعينها مع أنه لا اختلاف في ذلك إنما زاد بعضهم على بعض والزيادة مقبولة من أهل العلم".
وكذلك قول الحافظ ابن رجب في "فتح الباري" (٤/ ٣٢٦): "ويجاب عن هذه الروايات كلّها - على تقدير أن يكون ذكرُ الرفع فيها محفوظًا، ولم يكن قد اشتبه بذكر التكبير بالرفع - بأن مالك بن الحويرث ووائل بن حجر لم يكونا من أهل المدينة، وإنما كانا قد قدما إليها مرة أو مرتين، فلعلهما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مرة، وقد عارض ذلك نفي ابن عمر، مع شدة ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم وشدّة حرصه على حفظ أفعاله واقتدائه به فيها، فهذا يدل على أن أكثر أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان ترك الرفع فيما عدا