وقال أبو داود: "هذا حديث مختصر من حديث طويل، وليس هو بصحيح على هذا اللفظ". انتهى.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه الثوري، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، عن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فكبَّر فرفع يديه، ثم لم يَعُد.
قال أبي: هذا خطأ؛ يقال: وهم فيه الثوري. روى هذا الحديث عن عاصم جماعة، فقالوا كلهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح فرفع يديه ثم ركع فطبَّق، وجعلهما بين ركبتيه، ولم يقل أحد ما رواه الثوري". انتهى. "العلل"(٢٥٨).
وكذلك جعل البخاري في جزء رفع اليدين (برقم: ٣١) - الخطأ من الثوري، فقد روى من طريق ابن إدريس، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، ثنا علقمة أن عبد الله قال: علَّمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة فقام فكبَّر، ورفع يديه، ثم ركع فطبّق يديه فجعلهما بين ركبتيه، فبلغ ذلك سعدًا فقال: صدق أخي، قد كنا نفعل ذلك في أول الإسلام ثم أمرنا بهذا.
قال البخاري:"وهذا هو المحفوظ عند أهل النظر من حديث عبد الله بن مسعود". انتهى. ونقل عن الإمام أحمد ويحيى بن آدم أنهما ضعَّفا هذا الحديث.
ونقل الدارقطني (١/ ٢٩٣) قول ابن المبارك: "لم يثبت عندي حديث ابن مسعود: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه أول مرة، ثم لم يرفع، وقد ثبت عندي حديث من يرفع يديه إذا ركع، وإذا رفع. قال ابن المبارك: ذكره عبيد الله العمري ومالك ومعمر وسفيان ويونس ومحمد بن أبي حفصة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -". انتهى.
وثبت من هذا أن صحة الإسناد لا تستلزم صحة الحديث لاحتمال وجود شذوذ في المتن كما وقع هنا في رواية الثوري.
وعلى فرض ثبوت الصحة فإن المثبت مقدم على النافي، وقد صحت الأحاديث الكثيرة في إثبات رفع اليدين عند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام إلى الركعة الثالثة، فلا يجوز ترك العمل على هذه الأحاديث الصحيحة المخرجة في الصحيحين وغيرهما لحديث ابن مسعود لاحتمال خطأ بعض الرواة، سواء كان ذلك من سفيان كما قال أبو حاتم والبخاري، أو من تلميذه والراوي عنه وهو وكيع كما قال غيرهما، ومن الجائز كما قال ابن الجوزي في التحقيق (٣/ ٢٥): "أن يكون علقمة لم يضبط، أو ابن مسعود قد خفي عليه هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما خَفِي على غيره مثل نسخ التطبيق". انتهى.
ونقل الزيلعي (١/ ٣٩٧) عن صاحب "التقيح"(٢/ ١٤٠ - ١٤١) أنه قال: قال الفقيه أبو بكر بن إسحاق: "وليس في نسيان ابن مسعود لذلك ما يُستغرب، قد نسي ابن مسعود من القرآن ما لم يختلف المسلمون فيه بعد وهي المعوذتان، ونسي ما اتفق العلماء على نسخه كالتطبيق، ونسي