وقال المازري في "المعلم" (١/ ٢٧٤): وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يُصلي مُقْعِيًا، قال ابن شُميل: الإقعاء أن يجلس على وركيه، وهو الاحتفاز والاستيفاز.
وقال المازري أيضًا: حكى الثعالبي في أشكال الجلوس عن الأئمة: أن الإنسان إذا ألصق عَقِبيه بأليتيه قيل: أقعى، وإذا استوفز في جلوسه، كأنه يريد أن يثور للقيام، قيل: احتفز واقعنفز، أو قعد القَعْفَزي، فإذا ألصق أليتيه بالأرض، وتوسط سناقيه قيل: قرطس. انتهى.
قلت: ولا منافاة بين هذا الإقعاء الذي ذكره ابن عباس، وفسره ابن شُميل وغيره من أهل اللغة وبين الاقتراش الذي ورد في حديث أبي حُميد وغيره فإنها كلها سنة، وقد قال به أهل العلم والفقه من أهل مكة، ويظهر منه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل تارة هذه، وتارة هذه. فلا حاجة إلى تأويل بأن ذلك كان لأجل عذر من مرض وغيره.
وأما إن فسرنا الإقعاء بأن يُلصق ألْيتيه بالأرض، وينصبَ ساقيه، ويضعَ يديه على الأرض كإقعاء الكلب والقرد كما قال الهروي وغيره من أهل اللغة، فهذا الذي ورد النهي في الأحاديث، وإن كان أسانيدها ضعيفة مثل حديث علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا علي أحب لك ما أحب لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي، لا تُقْعِ بين السجدتين".
رواه الترمذي (٢٨٢) عن عبد الله بن عبد الرحمن، أخبرنا عبيد الله بن موسى، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي بن أبي طالب فذكره، قال الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه من حديث علي إلا من حديث أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي. وقال: وقد ضعَّف بعض أهل العلم الحارث الأعور". انتهى
قلت: الحارث الأعور مع ضعفه عند أهل العلم فيه أيضًا أبو إسحاق السبيعي وهو مدلس قد عنعن.
ومثل حديث أبي هريرة قال: "أمرني خليلي بثلاث، ونهاني عن ثلاث، أمرني بركعتي الضحى، وصوم ثلاثة أيام من الشهر، والوتر قبل النوم، ونهاني عن ثلاثة: عن الالتفات في الصلاة كالتفات الثعلب، وإقعاء كإقعاء القرد، ونقر كنقر الديك"، روي عن أبي هريرة من طريقين: أحدهما من طريق ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن أبي هريرة، ومن طريقه رواه البيهقي (٢/ ١٢٠)، ورواه ابن أبي شيبة (١/ ٢٨٥) عن علي بن مسهر، عن ليث به مكتفيا بقوله: "نهاني خليلي أن أقعي كإقعاء القرد".
ورواه الإمام أحمد (١٠٤٥٠، ١٠٤٨٣) عن طريقين، عن ليث به إلا أنه اكتفى بذكر الشطر الأول من الحديث، ولم يذكر الشطر الثاني، وإن الشطر الأول جاء من طرق صحيحة، وسيأتي في صلاتي الضُّحى والوتر.
والطريق الثاني ما رواه أبو داود الطيالسي (٢٧١٦) قال: حدثنا أبو عوانة، عن يزيد بن أبي