ثم غلبني ما أعلمُ منه فعدتُ لمقالتي، وعاد رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. ثم قال: "يا سعد، إنّي لأعطي الرّجلَ وغيرُه أحبُّ إليّ منه، خشية أن يكبَّه اللَّهُ في النّار".
متفق عليه: رواه البخاريّ في الإيمان (٢٧)، ومسلم في الإيمان (١٥٠) كلاهما من حديث الزهري، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن سعد. . . فذكر مثله.
قال الزّهريّ: "نرى أنّ الإسلام الكلمة، والإيمان العمل" ذكره ابن حبان في صحيحه (١٦٣).
والإسلام إذا أطلق إطلاقًا حقيقيًّا شرعيًّا فيرادف الإيمان، لقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [سورة آل عمران: ١٩]، وكقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [سورة آل عمران: ٨٥].
وإذا أطلق إطلاقًا لغويًّا فيرادف الانقياد والاستسلام أي خوفًا من السّيف، كقوله تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [سورة الحجرات: ١٤].
وفيه ردٌّ على غلاة المرجئة في اكتفائهم في الإيمان بنطق اللسان.
وفيه ترك القطع بالإيمان الكامل لمن لم ينص عليه، وأما منع القطع بالجنّة فلا يؤخذ من هذا صريحًا. انظر للمزيد "فتح الباري" (١/ ٧٩).
وفي الباب ما روي عن أنس قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "الإسلام علانية، والإيمان في القلب" قال: ثم يشير إلى صدره ثلاث مرات. قال: ثم يقول: "التقوى هاهنا، التقوى هاهنا".
رواه الإمام أحمد (١٢٣٨١)، وأبو يعلى (٢٩٢٣)، والبزار -كشف الأستار (٢٠) - كلهم من طريق علي بن مسعدة، حدثنا قتادة، عن أنس. . . فذكر مثله.
قال البزار: تفرد به علي بن مسعدة.
قال الهيثمي في "المجمع" (١/ ٥٢): رواه أحمد، وأبو يعلى بتمامه، والبزار باختصار، ورجاله رجال الصحيح ما خلا علي بن مسعدة، وقد وثقه ابن حبان وأبو داود الطيالسي وأبو حاتم وابن معين، وضعفه آخرون".
• قلت: ضعّفه البخاريّ، وأبو داود، والنسائيّ، والعقيليّ، وابن عدي، وغيرهم.
ولم أجده في النسخة المطبوعة من الثقات لابن حبان، ولم ينسبه إليه الحافظ ابن حجر في التهذيب، بل ذكره ابن حبان في المجروحين (٦٨٤) وقال: "كان ممن يخطئ على قلة روايته، وينفرد بما لا يتابع عليه، فاستحق ترك الاحتجاج به لِما لا يوافق الثقات من الأخبار" ثم أورد الحديث المذكور.
فلعل الحافظ الهيثمي رحمه اللَّه التبس عليه برجل بآخر؛ والحاصل أنه ضعيف.
وأما قوله: "التقوى ههنا" فهو ثابت في حديث آخر رواه أبو هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضُكم على بيع بعض، وكونوا