وقال في "التلخيص" (١/ ١٨٥) بعد أن ذكر حديث علي بن أبي طالب: "وظاهره مخالف لما تقدم مع صحَّةِ إسناده".
قلت: الوقت وقتان: وقت ضيق، ووقت موسع.
فأما الضيق فهما عند طلوع الشمس وعند غروبها، وهذا لا خلاف بين أهل العلم في تحريم الصلاة عندهما.
وأما الوقت الموسع فهما من صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ومن صلاة العصر حتى تغرب الشمس، فالجمهور على تحريم الصّلاة في هذين الوقتين.
ويرى جماعة من أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم بأنه لا بأس بالصّلاة فيهما. ومن هؤلاء: ابن عمر لما رواه مرفوعًا: "لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس" ورواه أيضًا البخاري بإسناده عنه قال: "أصلِّي كما رأيتُ أصحابي يصلون، لا أنهى أحدًا يُصلي بليل ولا نهار ما شاء غير أن لا تحرَّوا طلوع الشمس ولا غروبها" (٥٨٩)، وقالت مثله عائشة كما مضى من حديثها في إيهام عمر في النهي عن الصلاة بعد الفجر وبعد العصر، وإنما النهي أن يتحرَّى أحد طلوع الشمس وَغروبها.
وفي صحيح ابن حبان (١٥٦٨) من رواية شعبة، عن المِقدام بن شُريح، عن أبيه قال: سألتُ عائشة عن الصلاة بعد العصر فقالت: صَلِّ إنما نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة إذا طلعت الشمس.
ومنهم بلال، فقد روى الإمام أحمد (٢٣٨٨٧)، والطبراني (١٠٧٠) من رواية شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن بلال قال: لم يكن يُنهى عن الصلاة إلا عند طلوع الشمس، فإنها تطلع بين قرني الشيطان.
وإسناده صحيح، ورجاله رجال الصحيح، ورواه ابن أبي شيبة (٢/ ٣٥٤) من طريق سفيان الثوري، عن قيس بن مسلم به إلا أنه ذكر فيه غروب الشمس مكان طلوعها.
وممن رخّص في الصّلاة بعد العصر والشمس مرتفعة: علي بن أبي طالب، وتميم الداري، وأبو أيوب، وأبو موسى، وزيد بن خالد الجهني، وابن الزبير، والنعمان بن بشير، وأم سلمة، رضي الله عنهم جميعًا.
ومن التابعين: الأسود، ومسروق، وشريح، وعمرو بن ميمون، وعبد الرحمن بن الأسود، وعبيدة، والأحنف بن قيس، وطاوس. وحكي رواية عن أحمد.
قال إسماعيل بن سعيد الشالَنجي: سألت أحمد: هل ترى بأسًا أن يصلي الرجل تطوعًا بعد العصر، والشمس بيضاء مرتفعةً: قال: لا نفعله، ولا نُعيب فاعله.
ويظهر من قولهم أنهم كانوا يمنعون عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها لمشابهة الكفار في سجودهم للشمس في هذين الوقتين، وأما قبل الطلوع وقبل الغروب فكانوا يرون أن المنع منه