السُّنة أن يُصلي في إزار ورداء إذا وجدهما. كذا في "شرح السنة" (٢/ ٤٢٢) وسيأتي من حديث أبي هريرة، ما يؤيِّد هذا.
وقال الإمام أحمد وبعض السَّلف: لا تصح صلاته إذا قَدِر على وضع شيء على عاتقه إِلَّا بوضعه لظاهر الحديث.
• عن أبي هريرة يقول: أشهد أنِّي سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من صلَّى في ثوبٍ واحدٍ فليُخالف بين طرفيه".
صحيح: رواه البخاريّ في الصّلاة (٣٦٠) عن أبي نُعيم، قال: حَدَّثَنَا شيبان (هو ابن عبد الرحمن) عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة. قال - أي يحيى بن أبي كثير - سمعتُه - أو كنت سألتُه - قال - أي عكرمة - سمعتُ أبا هريرة فذكره.
قوله: سمعتُه - أي قال يحيى: سمعت عكرمة، ثمّ تردد هل سمعه ابتداء، أو جواب سؤال منه.
قلت: السماع ابتداء أو بعد سؤال، فالسماع حاصل، والبخاري رحمه الله تعالى احتاط في استعمال صيغة الأداء، لأن يحيى بن أبي كثير وصف بالتدليس.
ولكن نقل الحافظ عن الإسماعيلي أنه قال: "لا أعلم أحدًا ذكر فيه سماع يحيى بن عكرمة - قال: يعني بالجزم، قال: وقد رويناه من طريق حسين بن محمد، عن شيبان بالتردد في السماع أو الكتابة أيضًا". قال الحافظ: "قد رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن يزيد بن هارون عن شيبان نحو رواية البخاريّ. قال: "سمعتُه" أو "كنت سألته فسمعته". انتهى.
قلت: وهذا يؤكد ما ذهب إليه البخاريّ من سماع يحيى بن أبي كثير عن عكرمة.
ومعنى الحديث كما قال البغوي في "شرح السنة" (٢/ ٤٢٣): "المراد منه أنه لا يشدّ الثوب على وسطه، فيصلي مكشوف المنكبين، بل يتَّزِرُ به، ويرفع طرفيه، فيخالفُ بينهما، ويشده على عاتقه، فيكون بمنزلة الإزار والرداء، وهذا إذا كان الثوب واسعًا، فإن كان ضيقًا شده على حَقْوِه".
والدليل عليه ما سيأتي من حديث جابر.
• عن محمد بن المنكدر قال: دخلتُ عليّ جابر وهو يُصَلِّي في ثوب ملتحفًا به، ورداؤه موضوع. فلمّا انصرف قلنا: يا أبا عبد الله! تُصَلِّي ورداؤك موضوع؟ قال: نعم، أحببتُ أن يراني الجهالُ مثلكم. رأيتُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يصلي هكذا.
متفق عليه: رواه البخاريّ في الصّلاة (٣٧٠) عن عبد العزيز بن عبد الله، قال: حَدَّثَنِي ابن أبي المواليّ، عن محمد بن المنكدر فذكر مثله.
وفي صحيح مسلم (٥١٨) عن أبي الزُّبير المكي أنه رأي جابر بن عبد الله يُصَلِّي في ثوبٍ متوشِّحًا به، وعنده ثيابه. وقال: إنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك. رواه من طريق سفيان وعمرو بن الحارث، عن أبي الزُّبير.