وصحّحه ابن حبان (٢٤٣٢) ورواه من وجه آخر عن سعيد بن عفير به مثله.
والظاهر من قولها: "التي يوتر بعدهما" أنه يصلي ركعة منفصلة عن الثنتين. ولكن رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي من وجه آخر عن سعيد بن أبي مريم، عن يحيى بن أيوب به وفيه: "وكان يقرأ في الثالثة ... " فذكر بقية الحديث.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وسعيد بن عفير إمام أهل مصر بلا مدافعة، وقد أتى بالحديث مفسرًا مُصَلَّحًا دالًا على أنَّ الركعة التي هي الوتر في الثانية، غير الركعتين اللتين قبلها".
قلت: لا يحتاج إلى تخطئة أحدٍ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لعله صلَّى مرَّةً منفَصِلًا، وأخرى متَّصِلًا كما ثبت في الأحاديث الصحيحة.
وهذا الإسناد هو أصح ما رُوي به حديث عائشة، وأشار إليه الترمذي بعد ما روي من طريق خُصَيف هو (٤٦٣)، وأبو داود (١٤٢٤)، وابن ماجه (١١٧٣)، وأحمد (٢٥٩٠٦)، والحاكم (٢/ ٥٢٠، ٥٢١) كلّهم من طريق خُصيف، عن عبد العزيز بن جُريج، قال: سألت عائشة أم المؤمنين بأيِّ شيءٍ كان يوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالت: فذكر مثل حديث أُبَيِّ بن كعب، وزاد في الثالثة بعد قوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين.
قال الترمذي: "حسن غريب".
وقال الحاكم: إسناده صحيح.
قلت: بل إسناده ضعيف لضعف عبد العزيز بن جريج المكي والد عبد الملك قال البخاري: لا يتابع في حديثه. وقال العجلي: لم يسمع من عائشة، وأخطأ خُصَيف فصرَّح بسماعه منها. وقال الدارقطني: مجهول.
قال الحافظ في "نتائج الأفكار" (ص ٥١٢) لعل تحسينه بالطريق المتقدمة؛ لأن الحافظ حَسَّن طريق يحيى بن أيوب الغافقي. كما أنَّ النووي أقرَّ بتحسين الترمذي في "الخُلاصة" (١٨٨٣).
والإسنادان يقوي بعضهما بعضًا، فلا نكارة في قراءة المعوذتين في الوتر.
وقد سئل الإمام أحمد عن قراءة المعوذتين في الوتر فقال: "ولم لا يقرأ" ولكن الذي نختار أن يقرأ في الوتر بـ {سَبِّحِ} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}.
وكذلك سئل مالك عن القراءة في الوتر فقال: "ما زال الناس يقرؤون بالمعوذات في الوتر، وأنا أقرأ بها في الوتر".
وفي الباب ما روي عن أبي موسى أنه صلى باصحابه، وهو مرتحل من مكة إلى المدينة، فصلي العشاء ركعتين، وسلم. ثم قام فقرأ مائة آية من سورة النساء في ركعة، فأنكر ذلك عليه، فقال: "ما ألوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدمه، وأن أصنع مثل ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.