القنوت قبل الركوع إلا أن النسائي أعلّه بالتفرّد، فلعلّ الخطأ من دون سفيان.
ثم روى البيهقي (٣/ ٤١) من حديث ابن مسعود وابن عباس وضعّفهما.
ثم الصّحيح الثابت من حديث أنس، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع شهرًا يدعو على حي من أحياء العرب، ثم تركهـ. رواه البخاري (٤٠٨٩)، ومسلم (٦٧٧).
ولكن روى عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، أنه سئل عن القنوت بعد الركوع أو عند فراغٍ من القراءة؟ فقال:"لا، بل عند فراغٍ من القراءة". رواه البخاريّ (٤٠٨٨).
قال الأثرم: قلت لأحمد: يقول أحدٌ في حديث أنس: "أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت قبل الركوع" غير عاصم الأحول؟ فقال: ما علمتُ أحدًا يقوله غيره. خالفهم كلّهم: هشام عن قتادة، والتيمي عن أبي مجلز، وأيوب عن ابن سيرين، وغير واحد عن حنظلة السدوسي كلهم عن أنس:"أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع".
قيل لأحمد بن حنبل: سائر الأحاديث أليس إنما هي بعد الركوع؟ قال: بلى؛ خفاف بن إيماء، وأبو هريرة. قلت: لأبي عبد الله: فلم ترخِّص إذًا في القنوت قبل الركوع، وإنما صحَّ بعده؟ فقال: القنوت في الفجر بعد الركوع، وفي الوتر يختار بعد الركوع، ومن قنت قبل الرّكوع فلا بأس لفعل الصحابة واختلافهم، فأمّا في الفجر فبعد الركوع" ذكره ابن الجوزي في "التحقيق" (٢/ ٤٥١، ٤٥٢).
وقال الحافظ ابن القيم في "زاد المعاد" (١/ ٢٨٢): "أحاديث أنس كلّها صحاح يصدّق بعضها بعضًا، ولا تتناقض. والقنوت الذي ذكره قبل الركوع غير القنوت الذي ذكره بعده، والذي وقّته غير الذي أطلقه. فالذي ذكره قبل الركوع هو إطالة القيام للقراءة، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:"أفضل الصلاة طول القنوت" [رواه مسلم (٧٥٦)]، والذي ذكره بعده: هو إطالة القيام للدعاء، فعله شهرًا يدعو على قوم ويدعو لقوم".
فجعل القنوت قبل الركوع بمعنى إطالة القيام بالقراءة، وجعل القنوت بعد الركوع إطالة القيام بالدعاء، ثم استمر يطيل هذا الركن الدعاء والثناء إلى أن فارق الدنيا، وإليه أشار ثابت في قوله: "كان أنس يصنع شيئًا لم أركم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع قام حتى يقول القائل: قد نسي، وبين السجدتين حتى يقول القائل: قد نسي". رواه الشيخان: البخاري (٨٢١)، ومسلم (٤٧٢).
ثم قال ابن القيم رحمه الله: "ولما صار القنوت في لسان الفقهاء وأكثر الناس هو هذا الدعاء المعروف "اللهم اهدني فمين هديت ... إلى آخره" وسمعوا أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا، وكذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة، حملوا القنوت في لفظ الصحابة على القنوت في اصطلاحهم. ونشأ من لا يعرف غير ذلك، فلم يشك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا مداومين عليه كلّ غداة. وهذا هو الذي نازعهم فيه جمهور العلماء وقالوا: لم يكن هذا من فعله الراتب، بل لا يثبت عنه أنه فعله" انتهى.