"وهذا إن كان محفوظًا احتمل أن يكون نزول الآية تراخَى عن قِصَّة أحد، لأنَّ قِصَّة رِعْلٍ وذكوان كانت بعدها. ثمَّ قال: وفيه بُعْدٌ. والصواب أنَّها نزلت في شأن الذين دعا عليهم بسبب قِصَّة أُحُد. ويُؤيِّد ذلك ظاهر قوله في صدر الآية: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي يقتلهم {أَوْ يَكْبِتَهُمْ} أي يخزيهم، ثم قال: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} أي: فَيُسلِموا {أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} أي: إن ماتوا كُفَّارًا". انتهى.
قلت: لنا أن نفرق بين الدُّعاء على الكُفَّار، وبين القنوت. فلعل النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دعا على الكفار يوم أحد بالهلاك في غير القنوت.
وأما القنوت فكان بدؤه كما قال أنس بعد بئر مَعونة فإنه قال: "وذلك بدؤ القنوت، وما كُنَّا نقنتُ" ولعل الآية نزلت مرتين.
وقوله: "كَسِنِي يوسف" أي اجعلها سِنين شِدادًا ذوات قَحط وغلاء. والسَّنَة - كما ذكره أصحاب اللغة: الجدب يقال: أخذتهم السَّنة، إذا أجدبوا وأقحطوا.
• عن خُفَاف بنِ إيماء الغِفاري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة: "اللهم العَنْ بني لَحيان ورِعْلًا وذكوانَ، وعُصَيَّةَ عَصَوا الله ورسوله. غِفار غَفَر الله لها، وأسلم سالمها الله".
صحيح: رواه مسلم في المساجد (٦٧٩) من حديث ابن وهب، عن الليث، عن عِمران بن أبي أَنَس، عن حنظلة بن علي، عن خُفاف بن إيماء فذكره.
وفي رواية: ركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم رفع رأسه فقال: "غِفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله، وعُصَيَّة عصى الله ورسولَه. اللهم العَنْ بني لَحيان. والعَنْ رِعْلًا وذكوان" ثم وقع ساجدًا، قال خُفاف: فَجُعِلتْ لعنةُ الكفرة من أجل ذلك.
• عن ابن عمر أنه سمع رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الآخرة من الفجر يقول: "اللهم العَن فلانًا وفلانًا وفلانًا" بعد ما يقول: "سمع الله لمن حمِده، ربنا ولك الحمد" فأنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [سورة آل عمران: ١٢٨].
صحيح: رواه البخاري في المغازي (٤٠٦٩) عن يحيى بن عبد الله السلمي، أخبرنا عبد الله (وهو ابن المبارك) أخبرنا معمر، عن الزهري، حدثني سالم، عن أبيه فذكره.
ثم قال: وعن حنظلة بن أبي سفيان، سمعتُ سالم بن عبد الله يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو على صفوان بن أمية، وسُهيل بن عمرو، والحارث بن هشام. فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}.
قوله: وعن حنظلة - هو عطف على معمر، والراوي عنه هو عبد الله بن المبارك، إلا أنه مرسل،